بل يدخل فيه كل ذي عقل سليم من تلقاء نفسه دون إكراه ويدل على ذلك قوله * (قد تبين الرشد من الغي) * أي قد تبين أن الإسلام رشد وأن الكفر غي فلا يفتقر بعد بيانه إلى إكراه وقيل معناها الموادعة وأن لا يكره أحد بالقتال على الدخول في الإسلام ثم نسخت بالقتال وهذا ضعيف لأنها مدنية وإنما آية المسالمة وترك القتال بمكة * (بالعروة الوثقى) * العروة في الأجرام هي موضع الإمساك وشد الأيدي وهي هنا تشبيه واستعارة في الإيمان * (لا انفصام لها) * لا انكسار لها ولا انفصال * (يخرجهم من الظلمات إلى النور) * أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان * (أولياؤهم الطاغوت) * جمع الطاغوت هنا وأفرد في غير هذا الموضع فكأنه اسم جنس لما عبد من دون الله ولمن يضل الناس من الشياطين وبني آدم * (الذي حاج إبراهيم) * هو نمرود الملك وكان يدعي الربوبية فقال لإبراهيم من ربك " قال ربي الذي يحيي ويميت " فقال نمروذ * (أنا أحيي وأميت) * وأحضر رجلين فقتل أحدهما وترك الآخر فقال قد أحييت هذا وأمت هذا فقال له إبراهيم * (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت) * أي انقطع وقامت عليه الحجة فإن قيل لم انتقل إبراهيم عن دليله الأول إلى هذا الدليل الثاني والانتقال علامة الانقطاع فالجواب أنه لم ينقطع ولكنه لما ذكر الدليل الأول وهو الإحياء والإماتة كان له حقيقة وهو فعل الله ومجازا وهو فعل غيره فتعلق نمروذ بالمجاز غلطا منه أو مغالطة فحينئذ انتقل إبراهيم إلى الدليل الثاني لأنه لا مجاز له ولا يمكن الكافر عدول عنه أصلا * (أو كالذي مر على قرية) * تقديره أو رأيت مثل الذي فحذف لدلالة ألم تر عليه لأن كلتيهما كلمتا تعجب ويجوز أن يحمل على المعنى كأنه يقول أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مر على قرية وهذا المار قيل إنه عزير وقيل الخضر فقوله * (أنى يحيي هذه الله) * ليس إنكارا للبعث ولا استبعادا ولكنه استعظام لقدرة الذي يحيى الموتى أو سؤال عن كيفية الإحياء وصورته لا شك في وقوعه وذلك مقتضى كلمة أنى فأراه الله ذلك عيانا ليزداد بصيرة وقيل بل كان كافرا وقالها إنكارا للبعث واستبعادا فأراه الله الحياة بعد الموت في نفسه وذلك أعظم برهان * (وهي خاوية على عروشها) * أي خالية من الناس وقال السدي سقطت سقوفها وهي العروش ثم سقطت الحيطان على السقف * (أنى يحيي هذه الله) * ظاهر هذا اللفظ إحياء هذه القرية بالعمارة بعد الخراب ولكن المعنى إحياء أهلها بعد موتهم لأن هذا الذي يمكن فيه الشك والإنكار ولذلك أراه الله الحياة بعد موته والقرية كانت بيت المقدس لما أخربها بختنصر وقيل قرية الذين خرجوا
(٩٠)