التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ١ - الصفحة ٦٤
وإن ورد في بعض الأحاديث تفضيل غيره من الأعمال كالصلاة وغيرها فإن ذلك لما فيها من معنى الذكر والحضور مع الله تعالى والدليل على فضيلة الذكر من ثلاثة أوجه الأول النصوص الواردة بتفضيله على سائر الأعمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال ذكر الله قيل الذكر أفضل أم الجهاد في سبيل الله فقال لو ضرب المجاهد بسيفه في الكفار حتى ينقطع سيفه ويختضب دما لكان الذاكر أفضل منه الوجه الثاني أن الله تعالى حيث ما أمر بالذكر أو أثنى على الذكر اشترط فيه الكثرة فقال * (اذكروا الله ذكرا كثيرا) * * (والذاكرين الله كثيرا) * ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال الوجه الثالث أن للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره وهي الحضور في الحضرة العلية والوصول إلى القرب بالذي عبر عنه ما ورد في الحديث من المجالسة والمعية فإن الله تعالى يقول أنا جليس من ذكرني ويقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني وللناس في المقصد بالذكر مقامان فمقصد العامة اكتساب الأجور ومقصد الخاصة القرب والحصور وما بين المقامين بون بعيد فكم بين من يأخذ أجره وهو من وراء حجاب وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب واعلم أن الذكر على أنواع كثيرة فمنها التهليل والتسبيح والتكبير والحمد والحوقلة والحسبلة وذكر كل اسم من أسماء الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار وغير ذلك ولكل ذكر خاصيته وثمرته وأما التهليل فثمرته التوحيد أعني التوحيد الخاص فإن التوحيد العام حاصل لكل مؤمن وأما التكبير فثمرته التعظيم والإجلال لذي الجلال وأما الحمد والأسماء التي معناها الإحسان والرحمة كالرحمن الرحيم والكريم والغفار وشبه ذلك فثمرتها ثلاث مقامات وهي الشكر وقوة الرجاء والمحبة فإن المحسن محبوب لا محالة وأما الحوقلة والحسبلة فثمرتهما التوكل على الله والتفويض إلى الله والثقة بالله وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك كالعليم والسميع والبصير والقريب وشبه ذلك فثمرتها المراقبة وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فثمرتها شدة المحبة فيه والمحافظة على اتباع سنته وأما الاستغفار فثمرته الاستقامة على التقوى والمحافظة على شروط التوبة مع إنكار القلب بسبب الذنوب المتقدمة ثم إن ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصفات مجموعة في الذكر الفرد وهو قولنا الله الله فهذا هو الغاية وإليه المنتهى * (استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) * أي بمعونته * (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) * قيل إنها نزلت في الشهداء المقتولين في غزوة بدر وكانوا أربعة عشر رجلا لما قتلوا حزن عليهم أقاربهم فنزلت الآية مبينه لمنزلة الشهداء عند الله وتسلية لأقاربهم ولا يخصها نزولها
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»