الآية نزلت في قوم مخادعين وهم من أسد وغطفان كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا من المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا ليأمنوا قومهم والفتنة هنا الكفر على الأظهر وقيل الاختبار " وما كن لمؤمن أن يقتل مؤمنا لا خطأ " نزلت بسبب قتل عياش بن ربيعة للحارث بن زيد وكان الحارث يعذبه على الإسلام ثم أسلم وهاجر ولم يعلم عياش بإسلامه فقتله وقيل إن الاستثناء هنا منقطع والمعنى لا يحل لمؤمن أن يقتل مؤمنا بوجه لكن الخطأ قد يقع والصحيح أنه متصل والمعنى لا ينبغي لمؤمن ولا يليق به أن يقتل مؤمنا إلا على وجه الخطأ من غير قصد ولا تعد إذ هو مغلوب فيه وانتصاب خطأ على أنه مفعول من أجله أو حال أو صفة لمصدر محذوف * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية) * هذا بيان ما يجب على القاتل خطأ فأوجب الله عليه التحرير والدية فأما التحرير ففي مال القاتل وأما الدية ففي مال عاقلته وجاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وبيان للآية إذ لفظها يحتمل ذلك أو غيره وأجمع الفقهاء عليه واشترط مالك في الرقبة التي تعتق أن تكون مؤمنة ليس فيها عقد من عقود الحرية سالمة من العيوب أما إيمانها فنص هنا ولذلك أجمع العلماء عليه هنا واختلفوا في كفارة الظهار وكفارة اليمين وأما سلامتها من عقود الحرية فيظهر من قوله تعالى * (فتحرير رقبة) * لأن ظاهره أنه ابتداء عتق عند التكفير بها وأما سلامتها من العيب فزعموا أن إطلاق الرقبة يقتضيه وفي ذلك نظر ولم يبين في الآية مقدار الدية وهي عند مالك مائة من الإبل على أهل الإبل وألف دينار شرعية على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم شرعية على أهل الورق وروي ذلك عن عمر بن الخطاب * (مسلمة إلى أهله) * أي مدفوعة إليهم والأهل هنا الورثة واختلف في مدة تسليمها فقيل هي حالة عليهم وقيل يؤدونها في ثلاث سنين وقيل في أربع ولفظ التسليم مطلق وهو أظهر في الحلول لولا ما جاء من السنة في ذلك * (إلا أن يصدقوا) * الضمير يعود على أولياء المقتول أي إذا أسقطوا الدية سقطت وإذا أسقطها المقتول سقطت أيضا عند مالك والجمهور خلافا لأهل الظاهر وحجتهم عود الضمير على الأولياء وقال الجمهور إنما هذا إذا لم يسقطها المقتول * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) * معنى الآية أن المقتول خطأ إن كان مؤمنا وقومه كفارا أعداء وهم المحاربون فإنما في قتله التحرير خاصة دون الدية فلا تدفع لهم لئلا يتقووا بها على المسلمين ورأى ابن عباس أن ذلك إنما هو فيمن آمن وبقي في دار الحرب لم يهاجر وخالفه غيره ورأى مالك أن الدية في هذا البيت المال فالآية عنده منسوخة * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) * الآية معناها أن المقتول خطأ إن كان قومه كفارا معاهدين ففي مثله تحرير رقبة والدية إلى أهله لأجل معاهدتهم والمقتول على هذا مؤمن ولذلك قال مالك لا كفارة في قتل الذمي وقيل إن المقتول في هذه الآية كافر فعلى هذا تجب
(١٥٢)