وحكى أبو الليث السمرقندي: أجمع المفسرون أن معنى " لا أقسم ": أقسم. واختلفوا في تفسير: " لا " قال بعضهم: " لا " زيادة في الكلام للزينة، ويجري في كلام العرب زيادة (لا) كما قال في آية أخرى: " قال ما منعك أن لا تسجد " [ص: 75]. يعني أن تسجد، وقال بعضهم: " لا ": رد لكلامهم حيث أنكروا البعث، فقال: ليس الامر كما زعمتم.
قلت: وهذا قول الفراء، قال الفراء: وكثير من النحويين يقولون " لا " صلة، ولا يجوز أن يبدأ بجحد ثم يجعل صلة، لان هذا لو كان كذلك لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه، ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث والجنة والنار، فجاء الأقسام بالرد عليهم [في كثير من الكلام المبتدأ منه وغير المبتدأ] (1) وذلك كقولهم لا والله لا أفعل ف " - لا " رد لكلام قد مضى، وذلك كقولك: لا والله إن القيامة لحق، كأنك أكذبت قوما أنكروه.
وأنشد غير الفراء لامرئ القيس:
فلا وأبيك ابنة العامري * لا يدعي القوم أني أفر وقال غوية بن سلمى:
ألا نادت أمامة باحتمال * لتحزنني فلا بك ما أبالي وفائدتها توكيد القسم في الرد. قال الفراء: وكان من لا يعرف هذه الجهة يقرأ " لأقسم " بغير ألف، كأنها لام تأكيد دخلت على أقسم، وهو صواب، لان العرب تقول: لأقسم بالله وهي قراءة الحسن وابن كثير والزهري وابن هرمز " بيوم القيامة " أي بيوم يقوم الناس فيه لربهم، ولله عز وجل أن يقسم بما شاء. (ولا أقسم بالنفس اللوامة) لا خلاف في هذا بين القراء، وهو أنه أقسم سبحانه بيوم القيامة تعظيما لشأنه [ولم يقسم بالنفس] (2). وعلى قراءة ابن كثير أقسم بالأولى ولم يقسم بالثانية. وقيل: " ولا أقسم بالنفس اللوامة " رد آخر وابتداء قسم بالنفس اللوامة. قال الثعلبي: والصحيح أنه أقسم بهما جميعا. ومعنى: " بالنفس اللوامة " أي بنفس المؤمن الذي لا تراه إلا يلوم نفسه، يقول: ما أردت بكذا؟ فلا تراه