السابقات ما تسبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار، قاله الماوردي. وقال الجرجاني: ذكر " فالسابقات " بالفاء لأنها مشتقة من التي قبلها، أي واللائي يسبحن فيسبقن، تقول: قام فذهب، فهذا يوجب أن يكون القيام سببا للذهاب، ولو قلت:
قام وذهب، لم يكن القيام سببا للذهاب.
قوله تعالى: (فالمدبرات أمرا) قال القشيري: أجمعوا على أن المراد الملائكة.
وقال الماوردي: فيه قولان: أحدهما الملائكة، قاله الجمهور. والقول الثاني هي الكواكب السبعة. حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل. وفي تدبيرها الامر وجهان: أحدهما تدبير طلوعها وأفولها. الثاني تدبيرها ما قضاه الله تعالى فيها من تقلب الأحوال. وحكى هذا القول أيضا القشيري في تفسيره، وأن الله تعالى علق كثيرا من تدبير أم العالم بحركات النجوم، فأضيف التدبير إليها وإن كان من الله، كما يسمى الشئ باسم ما يجاوره. وعلى أن المراد بالمدبرات الملائكة، فتدبيرها نزولها بالحلال والحرام وتفصيله، قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما. وهو إلى الله جل ثناؤه، ولكن لما نزلت الملائكة به سميت بذلك، كما قال عز وجل: " نزل به الروح الأمين " [الشعراء: 193]. وكما قال تعالى: " فإنه نزله على قلبك " [البقرة: 97]. يعني جبريل نزله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل هو الذي أنزله. وروى عطاء عن ابن عباس: " فالمدبرات أمرا ": الملائكة وكلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك. قال عبد الرحمن بن ساباط: تدبير أمر الدنيا إلى أربعة، جبريل وميكائيل وملك الموت واسمه عزرائيل وإسرافيل، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس في البر والبحر، وأما إسرافيل فهو ينزل بالامر عليهم، وليس من الملائكة أقرب من إسرافيل، وبينه وبين العرش مسيرة خمسمائة عام. وقيل: أي وكلوا بأمور عرفهم الله بها. ومن أول السورة إلى هنا قسم أقسم الله به، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لنا ذلك إلا به عز وجل. وجواب القسم مضمر، كأنه قال: والنازعات وكذا وكذا لتبعثن ولتحاسبن. أضمر لمعرفة السامعين