فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى: (ألم نجعل الأرض كفاتا) أي ضامة تضم الاحياء على ظهورها والأموات في بطنها. وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه. وقوله عليه السلام: [قصوا أظافركم وادفنوا قلاماتكم] وقد مضى في (البقرة) (1) بيانه. يقال: كفت الشئ أكفته: إذا جمعته وضممته، والكفت: الضم والجمع، وأنشد سيبويه:
كرام حين تنكفت الأفاعي * إلى أجحارهن من الصقيع وقال أبو عبيد: " كفاتا " أوعية. ويقال للنحي: كفت وكفيت، لأنه يحوي اللبن ويضمه قال:
فأنت اليوم فوق الأرض حيا * وأنت غدا تضمك في كفات وخرج الشعبي في جنازة فنظر إلى الجبان فقال: هذه كفات الأموات، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كفات الاحياء.
و [الثانية] (2) - روى عن ربيعة في النباش قال تقطع يده فقيل له: لم قلت ذلك؟ قال:
إن الله عز وجل يقول: " ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا " فالأرض حرز. وقد مضى هذا في سورة " المائدة " (3). وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة، لأنه مقبرة تضم الموتى، فالأرض تضم الاحياء إلى منازلهم والأموات في قبورهم. وأيضا استقرار الناس على وجه الأرض، ثم اضطجاعهم عليها، انضمام منهم إليها. وقيل: هي كفات للاحياء يعني دفن ما يخرج من الانسان من الفضلات في الأرض، إذ لا ضم في كون الناس عليها، والضم يشير إلى الاحتفاف من جميع الوجوه. وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه: الاحياء والأموات ترجع إلى الأرض، أي الأرض منقسمة إلى حي وهو الذي ينبت، وإلى ميت