يدفعه به برفق ولين. ف " قالوا " على هذا التأويل عامل في قوله: " سلاما " على طريقة النحويين، وذلك أنه بمعنى قولا. وقالت فرقة: ينبغي للمخاطب أن يقول للجاهل سلاما، بهذا اللفظ.
أي سلمنا سلاما أو تسليما، ونحو هذا، فيكون العامل فيه فعلا من لفظه على طريقة النحويين.
مسألة: هذه الآية كانت قبل آية السيف، نسخ منها ما يخص الكفرة وبقى أدبها في المسلمين إلى يوم القيامة. وذكر سيبويه النسخ في هذه الآية في كتابه، وما تكلم فيه على نسخ سواه، رجح به أن المراد السلامة لا التسليم، لان المؤمنين لم يؤمروا قط بالسلام على الكفرة.
والآية مكية فنسختها آية السيف. قال النحاس: ولا نعلم لسيبويه كلاما في معنى الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية. قال سيبويه: لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين لكنه على معنى قوله: تسلما منكم، ولا خير ولا شر بيننا وبينكم. المبرد: كان ينبغي أن يقال: لم يؤمر المسلمون يومئذ بحربهم ثم أمروا بحربهم. محمد بن يزيد: أخطأ سيبويه في هذا وأساء العبارة. ابن العربي: لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولا نهوا عن ذلك، بل أمروا بالصفح والهجر الجميل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقف على أنديتهم ويحييهم ويدانيهم ولا يداهنهم. وقد أتفق الناس على أن السفيه من المؤمنين إذا جفاك يجوز أن تقول له سلام عليك.
قلت: هذا القول أشبه بدلائل السنة. وقد بينا في سورة " مريم " (1) اختلاف العلماء في جواز التسليم على الكفار، فلا حاجة إلى دعوى النسخ، والله أعلم. وقد ذكر النضر بن شميل قال حدثني الخليل قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فلما سلمنا رد علينا السلام وقال لنا: استووا. وبقينا متحيرين ولم ندر ما قال.
فقال لنا أعرابي إلى جنبه: أمركم أن ترتفعوا. قال الخليل: هو من قول الله عز وجل:
" ثم استوى إلى السماء وهي دخان " فصعدنا إليه فقال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير، وماء نمير (2)؟ فقلنا الساعة فارقناه. فقال سلاما. فلم ندر ما قال. قال فقال الأعرابي: إنه