أسم العبودية، ومن كان بعكس هذا شمله قوله تعالى: " أولئك كالانعام بل هم أضل " يعنى في عدم الاعتبار، كما تقدم في " الأعراف " (1). وكأنه قال: وعباد الرحمن هم الذين يمشون على الأرض، فحذف هم، كقولك: زيد الأمير، أي زيد هو الأمير. ف " الذين " خبر مبتدأ محذوف، قاله الأخفش. وقيل: الخبر قوله في آخر السورة: " أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ".
وما بين المبتدأ والخبر أوصاف لهم وما تعلق بها، قاله الزجاج. قال: ويجوز أن يكون الخبر " الذين يمشون على الأرض ". و " يمشون " عبارة عن عيشهم ومدة حياتهم وتصرفاتهم، فذكر من ذلك العظم، لا سيما وفي ذلك الانتقال في الأرض، وهو معاشرة الناس وخلطتهم.
قوله تعالى: " هونا " الهون مصدر الهين وهو من السكينة والوقار. وفي التفسير:
يمشون على الأرض حلماء متواضعين، يمشون في اقتصاد. والقصد والتؤدة وحسن السمت من أخلاق النبوة. وقال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس في الايضاع) (2) وروى في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب. التقلع، رفع الرجل بقوة والتكفؤ: الميل إلى سنن المشي وقصده. والهون الرفق والوقار. والذريع الواسع الخطا، أي أن مشيه كان يرفع فيه رجله بسرعة ويمد خطوه، خلاف مشية المختال، ويقصد سمته، وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة. كما قال: كأنما ينحط مكن صبب، قاله القاضي عياض.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسرع جبلة لا تكلفا. قال الزهري: سرعة المشي تذهب بهاء الوجه. قال ابن عطية: يريد الاسراع الحثيث لأنه يخل بالوقار، والخير في التوسط. وقال زيد بن أسلم: كنت أسأل عن تفسير قوله تعالى: " الذين يمشون على الأرض هونا " فما وجدت من ذلك شفاء، فرأيت في المنام من جاءني فقال لي: هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض. قال القشيري، وقيل لا يمشون لافساد ومعصية، بل في طاعة الله والأمور المباحة من غير هوك. وقد قال الله تعالى: " ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب