قال الشاعر (1):
فلا تحرمني نائلا عن جنابة * فإني امرؤ وسط القباب غريب وأصله عن مكان جنب. وقال ابن عباس: " عن جنب " أي عن جانب وقرأ النعمان ابن سالم: " عن جانب " أي عن ناحية وقيل: عن شوق، وحكى أبو عمرو بن العلاء إنها لغة لجذام، يقولون: جنبت إليك أي اشتقت وقيل: " عن جنب " أي عن مجانبة لها منه فلم يعرفوا أنها منه بسبيل وقال قتادة: جعلت تنظر إليه بناحية [كأنها] (2) لا تريده، وكان يقرأ: " عن جنب " بفتح الجيم وإسكان النون. (وهم لا يشعرون) أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه.
قوله تعالى: (وحرمنا عليه المراضع من قبل) أي منعناه من الارتضاع من قبل، أي من قبل مجئ أمه وأخته. و " المراضع " جمع مرضع ومن قال مراضيع فهو جمع مرضاع، ومفعال يكون للتكثير، ولا تدخل الهاء فيه فرقا بين المؤنث والمذكر لأنه ليس بجار على الفعل، ولكن من قال مرضاعة جاء بالهاء للمبالغة، كما يقال مطرابة. قال ابن عباس: لا يؤتى بمرضع فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع، قال أمرؤ القيس:
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري * إني امرؤ صرعي عليك حرام (3) أي ممتنع. فلما رأت أخته ذلك قالت: (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم) الآية.
فقالوا لها عند قولها: " وهم له ناصحون " وما يدريك؟ لعلك تعرفين أهله؟ فقالت: لا، ولكنهم يحرصون على مسرة الملك، ويرغبون في ظئره. وقال السدي وابن جريج: قيل لها لما قالت: " وهم له ناصحون " قد عرفت أهل هذا الصبي فدلينا عليهم، فقالت: أردت وهم للملك ناصحون فدلتهم على أم موسى، فانطلقت إليها بأمرهم فجاءت بها، والصبي علي يد فرعون يعلله شفقة عليه، وهو يبكي يطلب الرضاع، فدفعه إليها، فلما وجد الصبي