بل الله بين قيمها وبينك! ثم أمر بنفيه، فكلمه فيه رجال من الأنصار فأبى، وقال: والله لا أرده ما كان لي سلطان، فإنه فاسق مجاهر. فهذا حكم الشعر المذموم وحكم صاحبه، فلا يحل سماعه ولا إنشاده في مسجد وفى غيره، كمنثور الكلام القبيح ونحوه. وروى إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسن الشعر كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام " رواه إسماعيل عن عبد الله الشامي وحديثه عن أهل الشام صحيح فيما قال يحيى بن معين وغيره. وروى عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام " الثالثة - روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا " وفي الصحيح أيضا عن أبي سعيد الخدري قال: بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا الشيطان - أو أمسكوا الشطان - لان يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا " قال علماؤنا: وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا مع هذا الشاعر لما علم من حاله، فلعل هذا الشاعر كان ممن قد عرف من حاله أنه قد أتخذ الشعر طريقا للتكسب، فيفرط في المدح إذا أعطى، وفي الهجو والذم إذا منع، فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم. ولا خلاف في أن من كان على مثل هذه الحالة فكل ما يكتسبه بالشعر حرام. وكل ما يقوله من ذلك حرام عليه، ولا يحل الاصغاء إليه، بل يجب الانكار عليه، فإن لم يكن ذلك لمن خاف من لسانه قطعا تعين عليه أن يداريه بما استطاع، ويدافعه بما أمكن، ولا يحل له أن يعطى شيئا ابتداء، لان ذلك عون على المعصية، فإن لم يجد من ذلك بدا أعطاه بنية وقاية العرض، فما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة. قوله: " لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه " القيح المدة يخالطها دم.
يقال منه: قاح الجرح يقيح وتقيح وقيح. و " يريه " قال الأصمعي: هو من الورى على