ومشى بأعطان المباءة وابتغى * قلائص منها صعبة وركوب (1) وقال كعب بن زهير:
منه تظل سباع الجو (2) ضامزة * ولا تمشى بواديه الأراجيل بمعنى تمشى.
الثالثة - هذه الآية أصل فتناول الأسباب وطلب المعاش بالتجارة والصناعة وغير ذلك. وقد مضى هذا المعنى في غير موضع، لكنا نذكر هنا من ذلك ما يكفي فنقول:
قال لي بعض مشايخ هذا الزمان في كلام جرى: إن الأنبياء عليهم السلام إنما بعثوا ليسنوا الأسباب للضعفاء، فقلت مجيبا له: هذا قول لا يصدر إلا من الجهال والأغبياء، و الرعاع السفهاء، أو من طاعن في الكتاب والسنة العلياء، وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن أصفيائه ورسله وأنبيائه بالأسباب والاحتراف فقال وقوله الحق: " وعلمناه صنعة لبوس لكم ". وقال:
" وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق " قال العلماء:
أي يتجرون ويحترفون. وقال عليه الصلاة والسلام: " جعل رزقي تحت ظل رمحي " وقال تعالى:
" فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " وكان الصحابة رضي الله عنهم يتجرون ويحترفون وفى أموالهم يعملون، ومن خالفهم من الكفار يقاتلون، أتراهم ضعفاء! بل هم كانوا والله الأقوياء، وبهم الخلف الصالح اقتدى، وطريقهم فيه الهدى والاهتداء. قال: إنما تناولوها لأنهم أئمة الاقتداء، فتناولوها مباشرة في حق الضعفاء، فأما في حق أنفسهم فلا، وبيان ذلك أصحاب الصفة.
قلت: لو كان ذلك لوجب عليهم و على الرسول معهم البيان، كما ثبت في القرآن " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " وقال: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى " الآية. وهذا من البيات الهدى. وأما أصحاب الصفة فإنهم كانوا ضيف الاسلام