فيه ثمان مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (الذين أخرجوا من ديارهم) هذا أحد ما ظلموا به، وإنما أخرجوا لقولهم: ربنا الله وحده. فقوله: " إلا أن يقولوا ربنا الله " استثناء منقطع، أي لكن لقولهم ربنا الله، قاله سيبويه. وقال الفراء يجوز أن تكون في موضع خفض، يقدرها مردودة على الباء، وهو قول أبى إسحاق الزجاج، والمعنى عنده: الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا بأن يقولوا ربنا الله، أي أخرجوا بتوحيدهم، أخرجهم أهل الأوثان. و " الذين أخرجوا " في موضع خفض بدلا من قوله: " للذين يقاتلون ".
الثانية - قال ابن العربي: قال علماؤنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحل له الدماء، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل مدة عشرة أعوام، لإقامة حجة الله تعالى عليهم، ووفاء بوعده الذي أمتن به بفضله في قوله: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (1) [الاسراء: 15]. فاستمر الناس في الطغيان وما استدلوا بواضح البرهان، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم عن بلادهم، فمنهم من فر إلى أرض الحبشة: ومنهم من خرج إلى المدينة، ومنهم من صبر على الأذى. فلما عتت قريش على الله تعالى وردوا أمره وكذبوا نبيه عليه السلام، وعذبوا من آمن به ووحده وعبده، وصدق نبيه عليه السلام واعتصم بدينه، أذن (2) الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم، وأنزل " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا - إلى قوله - الأمور ".
الثالثة - في هذه الآية دليل على أن نسبة الفعل الموجود من الملجأ المكره إلى الذي ألجأه وأكرهه، لان الله تعالى نسب الاخراج إلى الكفار، لان الكلام في معنى تقدير الذنب وإلزامه. وهذه الآية مثل قوله تعالى: " إذ أخرجه الذين كفروا " [التوبة: 40] والكلام فيهما واحد، وقد تقدم في " براءة " (3) والحمد لله.