والصديق من يصدقك في مودته وتصدقه في مودتك. ثم قيل: إن هذا منسوخ بقوله:
" لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم " (1) [الأحزاب: 53]، وقوله تعالى: " فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها " [النور: 28] الآية، وقوله عليه السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه).
وقيل: هي محكمة، وهو أصح. ذكر محمد بن ثور عن معمر قال: دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه رطبا فجعلت آكله، فقال: ما هذا؟ فقلت: أبصرت رطبا في بيتك فأكلت، قال: أحسنت، قال الله تعالى: " أو صديقكم ". وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: " أو صديقكم " قال: إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته لم يكن بذلك بأس. وقال معمر: قلت لقتادة: ألا أشرب من هذا الحب (2)؟ قال: أنت لي صديق! فما هذا الاستئذان. وكان صلى الله عليه وسلم يدخل حائط أبى طلحة المسمى ببيرحا (3) ويشرب من ماء فيها طيب بغير إذنه، على ما قاله علماؤنا، قالوا: والماء متملك لأهله. وإذا جاز الشرب من ماء الصديق بغير إذنه جاز الاكل من ثماره وطعامه إذا علم أن نفس صاحبه تطيب به لتفاهته ويسير مؤنته، أو لما بينهما من المودة. ومن هذا المعنى إطعام أم حرام له صلى الله عليه وسلم إذا نام عندها، لان الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل، وأن يد زوجته في ذلك عارية.
وهذا كله ما لم يتخذ الاكل خبنة (4)، ولم يقصد بذلك وقاية ماله، وكان تافها يسيرا.
السابعة - قرن الله عز وجل في هذه الآية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة، لان قرب المودة لصيق. قال ابن عباس في كتاب النقاش: الصديق أو كد من القرابة، ألا ترى استغاثة الجهنميين: " فما لنا من شافعين. ولا صديق (5) حميم " [الشعراء: 100 - 101].
قلت: ولهذا لا تجوز عندنا شهادة الصديق لصديقه، كما لا تجوز شهادة القريب لقريبه.
وقد مضى بيان هذا والعلة فيه في " النساء " (6). وفي المثل " أيهم أحب إليك أخوك أم صديقك " قال: أخي إذا صديقي.