وقيل لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين، ما تقولين في الخضاب والصباغ والتمائم والقرطين والخلخال وخاتم الذهب ورقاق الثياب؟ فقالت: يا معشر النساء، قصتكن قصة امرأة واحدة، أحل الله لكن الزينة غير متبرجات لمن لا يحل لكن أن يروا منكن محرما. وقال عطاء: هذا في بيوتهن، فإذا خرجت فلا يحل لها وضع الجلباب. وعلى هذا " غير متبرجات " غير خارجات من بيوتهن. وعلى هذا يلزم أن يقال: إذا كانت في بيتها فلا بدلها من جلباب فوق الدرع، وهذا بعيد، إلا إذا دخل عليها أجنبي. ثم ذكر تعالى أن تحفظ الجميع منهن، واستعفافهن عن وضع الثياب والتزامهن ما يلزم الشباب أفضل لهن وخير. وقرأ ابن مسعود:
" وأن يتعففن " بغير سين. ثم قيل: من التبرج أن تلبس المرأة ثوبين رقيقين يصفانها.
روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا). قال ابن العربي: وإنما جعلهن كاسيات لان الثياب عليهن، وإنما وصفهن بأنهن عاريات لان الثواب إذا رق يصفهن، ويبدي محاسنهن، وذلك حرام.
قلت: هذا أحد التأويلين للعلماء في هذا المعنى. والثاني - أنهن كاسيات من الثياب عاريات من لباس التقوى الذي قال الله تعالى فيه: " ولباس التقوى ذلك خير ". (1) وأنشدوا:
إذا المرء لم يلبس ثياب من التقى * تقلب عريانا وإن كان كاسيا وخير لباس المرء طاعة ربه * ولا خير فيمن كان لله عاصيا وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون على (2) وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ومر عمر ابن الخطاب وعليه قميص يجره) قالوا: ماذا أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: (الدين).
فتأويله صلى الله عليه وسلم القميص بالدين مأخوذ من قوله تعالى: " ولباس التقوى ذلك خير ". العرب تكنى عن الفضل والعفاف بالثياب، كما قال شاعرهم: