الهلاك، والابصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم، وإلى أي ناحية يؤخذ بهم.
وقيل: إن قلوب الشاكين تتحول عما كانت عليه من الشك، وكذلك أبصارهم لرؤيتهم اليقين، وذلك مثل قول تعالى: " فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " (1) [ق: 22] فما كان يراه في الدنيا غيا يراه رشدا، إلا أن ذلك لا ينفعهم في الآخرة. وقيل: تقلب على جمر جهنم كقوله تعالى: " يوم تقلب وجوههم في النار " (2) [الأحزاب: 66]، " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم " (3) [الانعام: 110]. في قول من جعل المعنى تقلبها على لهب النار. وقيل: تقلب بأن تلفحها النار مرة وتنضجها مرة. وقيل: إن تقلب القلوب وجيبها (4)، وتقلب الابصار النظر بها إلى نواحي الأهوال. (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا) فذكر الجزاء على الحسنات، ولم يذكر الجزاء على السيئات وإن كان يجازي عليها لامرين: أحدهما - أنه ترغيب، فاقتصر على ذكر الرغبة. الثاني - أنه في صفة قوم لا تكون منهم الكبائر، فكانت صغائرهم مغفورة. (ويزيدهم من فضله) يحتمل وجهين:
أحدهما - ما يضاعفه من الحسنة بعشر أمثالها. الثاني - ما يتفضل به من غير جزاء.
(والله يرزق من يشاء بغير حساب) أي من غير أن يحاسبه على ما أعطاه، إذ لا نهاية لعطائه. وروي أنه لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قباء، فحضر عبد الله بن رواحة فقال: يا رسول الله، قد أفلح من بنى المساجد؟ قال: (نعم يا بن رواحة) قال: وصلى فيها قائما وقاعدا؟ قال: (نعم يا بن رواحة) قال: ولم يبت لله إلا ساجدا؟ قال: (نعم يا بن رواحة. كف عن السجع فما أعطى عبد شيئا شرا من طلاقة في لسانه)، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: والذين كفروا أعملهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفه حسابه والله سريع الحساب (39)