الثالثة والعشرون - واختلفوا أيضا على القول بجواز شهادته بعد التوبة في أي شئ تجوز، فقال مالك رحمه الله تعالى: تجوز في كل شئ مطلقا، وكذلك كل من حد في شئ من الأشياء، رواه نافع وابن عبد الحكم عن مالك، وهو قول ابن كنانة. وذكر الوقار (1) عن مالك أنه لا تقبل شهادته فيما حد فيه خاصة، وتقبل فيما سوى ذلك، وهو قول مطرف وابن الماجشون. وروى العتبى عن أصبغ وسحنون مثله. قال سحنون: من حد في شئ من الأشياء فلا تجوز شهادته في مثل ما حد فيه. وقال مطرف وابن الماجشون: من حد في قذف أو زنى فلا تجوز شهادته في شئ من وجوه الزنى، ولا في قذف ولا لعان وإن كان عدلا، وروياه عن مالك. واتفقوا على ولد الزنى أن شهادته لا تجوز في الزنى.
الرابعة والعشرون - الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفة عاد إلى جميعها عند مالك والشافعي وأصحابهما. وعند أبي حنيفة وجل أصحابه يرجع الاستثناء إلى أقرب مذكور وهو الفسق، ولهذا لا تقبل شهادته، فإن الاستثناء راجع إلى الفسق خاصة لا إلى قبول الشهادة.
وسبب الخلاف في هذا الأصل سببان: أحدهما - هل هذه الجمل في حكم الجملة الواحدة للعطف الذي فيها، أو لكل جملة حكم نفسها في الاستقلال وحرف العطف محسن لا مشرك، وهو الصحيح في عطف الجمل، لجواز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض، على ما يعرف من النحو.
السبب الثاني - يشبه (2) الاستثناء بالشرط في عوده إلى الجمل المتقدمة، فإنه يعود إلى جميعها عند الفقهاء، أو لا يشبه به، لأنه من باب القياس في اللغة وهو فاسد على ما يعرف في أصول الفقه. والأصل أن كل ذلك محتمل ولا ترجيح، فتعين ما قال القاضي من الوقف.
ويتأيد (3) الاشكال بأنه قد جاء في كتاب الله عز وجل كلا الامرين، فإن آية المحاربة فيها عود الضمير إلى الجميع باتفاق، وآية قتل المؤمن خطأ فيها رد الاستثناء إلى الأخيرة باتفاق، وآية القذف محتملة للوجهين، فتعين الوقف من غير مين. قال علماؤنا: وهذا نظر