قوله تعالى: (ثم أنشأنا من بعدهم) أي من بعد هلاك هؤلاء. (قرونا) أي أمما.
(آخرين) قال ابن عباس: يريد بني إسرائيل، وفي الكلام حذف: فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم. (ما تسبق من أمة أجلها) " من " صلة، أي ما تسبق أمة الوقت المؤقت لها ولا تتأخره، مثل قوله تعالى: " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ويستقدمون (1) " [الأعراف: 34]. ومعنى (تترى) تتواتر، ويتبع بعضهم بعضا ترغيبا وترهيبا. قال الأصمعي: واترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضا، إلا أن بين كل كل واحد وبين الاخر مهلة. وقال غيره: المواترة التتابع بغير مهلة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: " تترى " بالتنوين على أنه مصدر أدخل فيه التنوين على فتح الراء، كقولك: حمدا وشكرا، فالوقف على هذا على الألف المعوضة من التنوين.
ويجوز أن يكون ملحقا بجعفر، فيكون مثل أرطى وعلقى، كما قال:
* يستن في علقى وفي مكور * فإذا وقف على هذا الوجه جازت الإمالة، على أن ينوى الوقف على الألف الملحقة. وقرأ ورش بين اللفظتين، مثل سكرى وغضبى، وهو اسم جمع، مثل شتى وأسرى. وأصله وترى من المواترة والتواتر، فقلبت الواو تاء، مثل التقوى والتكلان وتجاه ونحوها. وقيل:
هو [من (2)] الوتر وهو الفرد، فالمعنى أرسلناهم فردا فردا. النحاس: وعلى هذا يجوز " تترا " بكسر التاء الأولى، وموضعها نصب على المصدر، لان معنى " ثم أرسلنا " واترنا. ويجوز أن يكون في موضع الحال أي متواترين. (فأتبعنا بعضهم بعضا) أي بالهلاك. (وجعلناهم أحاديث) جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به، كأعاجيب جمع أعجوبة، وهي ما يتعجب منه.
قال الأخفش: إنما يقال هذا في الشر " جعلناهم أحاديث " ولا يقال في الخير، كما يقال:
صار فلان حديثا أي عبرة ومثلا، كما قال في آية أخرى: " فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق (3) " [سبأ: 19].
قلت: وقد يقال فلان حديث حسن، إذا كان مقيدا بذكر ذلك، ومنه قول ابن دريد:
وإنما المرء حديث بعده * فكن حديثا حسنا لمن وعى