تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٦١
فيه خمس مسائل: الأولى - قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله) نهي. (فيسبوا الله) جواب النهي. فنهى سبحانه لمؤمنين أن يسبوا أوثانهم، لأنه علم إذا سبوها نفر الكفار وازدادوا كفرا. قال ابن عباس: قالت كفار قريش لأبي طالب إما أن تنهى محمدا وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها وإما أن إلهه ونهجوه، فنزلت الآية.
الثانية - قال العلماء: حكمها باق في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي عليه السلام أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أيسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك، لأنه بمنزلة البعث على المعصية. وعبر عن الأصنام وهي لا تعقل ب‍ " الذين " على معتقد الكفرة فيها.
الثالثة - في هذه الآية أيضا ضرب من الموادعة، ودليل على وجوب الحكم بسد الذرائع، وفيها دليل على أن المحق قد يكف عن حق له إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين. ومن هذا المعنى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا تبتوا الحكم بين ذوي القرابات مخافة القطيعة قال ابن العربي: إن كان الحق واجبا فيأخذه بكل حال وإن كان جائزا ففيه يكون هذا القول.
الرابعة - قوله تعالى: (عدوا) أي جهلا واعتداء. وروي عن أهل مكة أنهم قرأوا " عدوا " بضم العين والدال وتشديد الواو، وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة، وهي راجعة إلى القراءة الأولى، وهما جميعا بمعنى الظلم. وقرأ أهل مكة أيضا " عدوا " بفتح العين وضم الدال بمعنى عدو. وهو واحد يؤدي عن جمع، كما قال: " فإنهم عدو لي إلا رب العالمين (1) ". وقال تعالى: " هم (2) العدو " وهو منصوب على المصدر أو على المفعول من أجله.
الخامسة - قوله تعالى: (كذلك زينا لكل أمة عملهم) أي كما زينا لهؤلاء أعمالهم كذلك زينا لكل أمة عملهم. قال ابن عباس. زينا لأهل الطاعة الطاعة، ولأهل الكفر

(1) راجع ج 13 ص 110.
(2) راجع ج 18 ص 125.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»