تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٥٨
عماه. (وما أنا عليكم بحفيظ) أي لم أومر بحفظكم على أن تهلكوا أنفسكم. وقيل: أي لا أحفظكم من عذاب الله. وقيل: " بحفظ " برقيب، أحصي عليكم أعمالكم، إنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي، وهو الحفيظ عليكم لا يخفى عليه شئ من أفعالكم. قال الزجاج:
نزل هذا قبل فرض القتال، ثم أمر أن يمنعهم بالسيف من عبادة الأوثان.
قوله تعالى: وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون (105) قوله تعالى: " وكذلك نصرف الآيات " الكاف (في (1) كذلك) في موضع نصب، أي نصرف الآيات مثل ما تلونا عليك. أي كما صرفنا الآيات في الوعد والوعيد والوعظ والتنبيه في هذه السورة نصرف في غيرها. " وليقولوا درست " والواو للعطف على مضمر، أي نصرف الآيات لتقوم الحجة وليقولوا درست. وقيل: أي " وليقولوا درست " صرفناها، فهي لام الصيرورة.
وقال الزجاج: هذا كما تقول كتب فلان هذا الكتاب لحتفه، أي آل أمره إلى ذلك.
وكذا لما صرفت الآيات آل أمرهم إلى أن قالوا: درست وتعلمت من جبر ويسار، وكانا غلامين نصرانيين بمكة، فقال أهل مكة: إنما يتعلم منهما. قال النحاس: وفي المعنى قول آخر حسن، وهو أن يكون معنى " نصرف الآيات " نأتي بها آية بعد آية ليقولوا درست علينا، فيذكرون (2) الأول بالآخر. فهذا حقيقة، والذي قاله أبو إسحاق مجاز.
وفي " درست " سبع قراءات. قرأ أبو عمرو وابن كثير " دارست " بالألف بين الدال والراء، كفاعلت. وهي قراءة علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأهل مكة.
قال ابن عباس: معنى " دارست " تاليت. وقرأ ابن عامر " درست " بفتح السين وإسكان التاء غير ألف، كخرجت. وهي قراءة الحسن. وقرأ الباقون " درست " كخرجت.
فعلى الأولى: دارست أهل الكتاب ودارسوك، أي ذاكرتهم وذاكروك، قال سعيد بن جبير.
ودل على هذا المعنى قوله تعالى إخبارا عنهم: " وأعانه عليه قوم آخرون (3) " أي أعان اليهود النبي

(1) من ك.
(2) في ك: فيلحقون.
(3) راجع ج 13 ص 3.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»