(بل يتوب تائبهم) فنزلت هذه الآية. وبين الرب (1) بأن من سبق العلم الأزلي بأنه لا يؤمن فإنه لا يؤمن وإن أقسم ليؤمنن.
الثانية - قوله تعالى: " جهد أيمانهم " قيل: معناه بأغلظ الأيمان عندهم.
وتعرض هنا مسألة من الأحكام عظمي، وهي قول الرجل: الأيمان تلزمه إن كان كذا وكذا.
قال ابن العربي: وقد كانت هذه اليمين في صدر الإسلام معروفة بغير هذه الصورة، كانوا يقولون: على أشد ما أخذه أحد على أحد، فقال مالك: تطلق نساؤه. ثم تكاثرت الصورة حتى آلت بين الناس إلى صورة هذه أمها. وكان شيخنا الفهري الطرسوسي يقول:
يلزمه إطعام ثلاثين مسكينا إذا حنث فيها، لأن قوله " الإيمان " جمع يمين، وهو لو قال علي يمين وحنث ألزمناه كفارة. ولو قال: علي يمينان للزمته (2) كفارتان إذا حنث. والإيمان جمع يمين فيلزمه فيها ثلاث كفارات.
قلت: وذكر أحمد بن محمد بن مغيث في وثائقه: اختلف شيوخ القيروان فيها، فقال أبو محمد بن أبي زيد، يلزمه في زوجته ثلاث تطليقات، والمشي إلى مكة، وتفريق ثلث ماله، وكفارة يمين، وعتق رقبة. قال ابن مغيث: وبه قال ابن أرفع رأسه وابن بدر من فقهاء طليطلة. وقال الشيخ أبو عمران الفاسي وأبو الحسن القابسي وأبو بكر بن عبد الرحمن القروي: تلزمه طلقة واحدة إذا لم تكن له نية. ومن حجتهم في ذلك رواية ابن الحسن في سماعه من ابن وهب في قوله: " وأشد ما أخذه أحد على أحد أن عليه ذلك كفارة يمين ". قال ابن مغيث: فجعل (3) من سميناه على القائل: " الإيمان تلزمه " طلقة واحدة، لأنه لا يكون أسوأ حالا من قوله: أشد ما أخذه أحد على أحد أن عليه كفارة يمين، قال (4) وبه نقول. قال: واحتج الأولون بقول ابن القاسم من قال: علي عهد الله وغليظ ميثاقه وكفالته وأشد ما أخذه أحد على أحد على أمر ألا يفعله ثم فعله، فقال: إن لم يرد الطلاق ولا العتاق وعزلهما عن ذلك فلتكن ثلاث كفارات. فان لم تكن له نية حين حلف فليكفر كفارتين في قوله: على عهد الله وغليظ ميثاقه. ويعتق رقبة وتطلق نساؤه، ويمشي إلى مكة