وسيأتي لهذا مزيد بيان في " الذاريات (1) " إن شاء الله تعالى. (إن ربك هو اعلم) قال بعض الناس: إن " أعلم " هنا بمعنى يعلم، وأنشد قول حاتم الطائي:
تحالفت طئ من دوننا حلفا * والله أعلم ما كنا لهم خذلا (2) وقول الخنساء:
الله (3) أعلم أن جفنته * تغدو غداة الريح أو تسري وهذا لا حجة فيه، لأنه لا يطابق " هو أعلم بالمهتدين ". ولأنه يحتمل أن يكون على أصله.
(من يضل عن سبيله) " من " بمعنى أي، فهو في محل رفع والرافع له " يضل ". وقيل:
في محل نصب بأعلم، أي إن ربك أعلم أي الناس يضل عن سبيله. وقيل: في محل نصب بنزع الخافض، أي بمن يضل. قال بعض البصريين، وهو حسن، لقوله: (وهو أعلم بالمهتدين) وقول في آخر النحل: " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (4) " . وقرئ " يضل " وهذا على حذف المفعول، والأول أحسن، لأنه قال: " وهو أعلم بالمهتدين ".
فلو كان من الإضلال لقال وهو أعلم بالهادين.
قوله تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين (118) قوله تعالى: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) نزلت بسبب أناس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نأكل ما نقتل ولا نأكل ما قتل الله؟ فنزلت " فكلوا " إلى قوله " وإن أطعتموهم إنكم لمشركون " خرجه الترمذي وغيره. قال عطاء (5):
هذه الآية أمر بذكر اسم الله على الشراب والذبح وكل مطعوم. وقوله: (إن كنتم بآياته مؤمنين) أي بأحكامه وأوامره آخذين، فإن الإيمان بها يتضمن ويقتضي الأخذ بها والانقياد لها.