تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٥٧
الأبصار، أي لا يعرفون كيفية حقيقة البصر، وما الشئ الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه. ثم قال: " وهو اللطيف الخبير " أي الرفيق بعباده، يقال: لطف فلان بفلان يلطف، أي رفق به. واللطف في الفعل الرفق فيه.
واللطف من الله تعالى التوفيق والعصمة. وألطفه بكذا، أي بره به. والاسم اللطف بالتحريك.
يقال: جاءتنا من فلان لطفه، أي هدية. والملاطفة المبارة، عن الجوهري وابن فارس.
قال أبو العالية: المعنى لطيف باستخراج الأشياء خبير بمكانها. وقال الجنيد: اللطيف من نور قلبك بالهدى، وربى جسمك بالغذاء، وجعل لك الولاية في البلوى، ويحرسك وأنت في لظى، ويدخلك جنة المأوى. وقيل غير هذا، مما معناه راجع إلى معنى الرفق وغيره.
وسيأتي ما للعلماء من الأقوال في ذلك في " الشورى (1) " إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ (104) قوله تعالى: (قد جاءكم بصائر من ربكم) أي آيات وبراهين يبصر بها ويستدل، جمع بصيرة وهي الدلالة. قال الشاعر:
جاءوا بصائرهم على أكتافهم * وبصيرتي يعدو بها عتد وآى (2) يعني بالبصيرة الحجة البينة الظاهرة. ووصف الدلالة بالمجئ لتفخيم شأنها، إذ كانت بمنزلة الغائب المتوقع حضوره للنفس، كما يقال: جاءت العافية وقد أنصرف المرض، وأقبل السعود وأدبر النحوس (فمن أبصر فلنفسه) الإبصار: هو الإدراك بحاسة البصر، أي فمن استدل وتعرف فنفسه نفع. (ومن عمى) لم يستدل، فصار بمنزلة الأعمى، فعلى نفسه يعود

(1) راجع ج 16 ص 16.
(2) الذي في كتب اللغة: " راحوا... الخ " وأن هذا البيت للأسعر الجعفي. يقول: إنهم تركوا دم أبيهم وجعلوه خلفهم أي لم يثأروا به وأنا طلب ثاري. والعتد (بفتح التا وكسرها):
الفرس التام الخلق السريع الوثبة معد للجري ليس فيه اضطراب ولا رخاوة. والوآى (بفتح الواو والمد): الفرس السريع المقتدر الخلق.
(٥٧)
مفاتيح البحث: المرض (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»