وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين. وعن ابن عباس أنه رآه بعينه، هذا هو المشهور عنه. وحجته قوله تعالى: " ما كذب الفؤاد ما رأى (1) ". وقال عبد الله بن الحارث: أجتمع ابن عباس وأبي بن كعب، فقال ابن عباس: أما نحن بنو (2) هاشم فنقول إن محمدا رأى ربه مرتين. ثم قال ابن عباس: أتعجبون أن الخلة تكون لإبراهيم والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. قال: فكبر كعب حتى جاوبته الجبال، ثم قال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى عليهما السلام، فكلم موسى ورآه محمد صلى الله عليه وسلم. وحكى عبد الرزاق أن الحسن كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه. وحكاه أبو عمر الطلمنكي عن عكرمة، وحكاه بعض المتكلمين عن ابن مسعود، والأول عنه أشهر. وحكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة: هل رأى محمد ربه؟ فقال نعم وحكى النقاش عن أحمد بن حنبل أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس: بعينه رآه رآه!
حتى انقطع نفسه، يعني نفس أحمد. وإلى هذا ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه (أن (3) محمدا صلى الله عليه وسلم) رأى الله ببصره وعيني رأسه. وقال أنس وابن عباس وعكرمة والربيع والحسن. وكان الحسن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأى محمد ربه.
وقال جماعة منهم أبو العالية والقرظي والربيع بن أنس: إنه إنما رأى ربه بقلبه وفؤاده، وحكي عن ابن عباس أيضا وعكرمة. وقال أبو عمر: قال أحمد بن حنبل رآه بقلبه، وجبن عن القول برؤيته في الدنيا بالأبصار. وعن مالك بن أنس قال: لم ير في الدنيا، لأنه باق ولا يرى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رأوا الباقي بالباقي. قال القاضي عياض: وهذا كلام حسن مليح، وليس فيه دليل على الاستحالة إلا من حيث ضعف القدرة، فإذا قوى الله تعالى من شاء من عباده وأقدره على حمل أعباء الرؤية لم يمتنع في حقه. وسيأتي شئ من هذا في حق موسى عليه السلام في " الأعراف (4) " إن شاء الله.
قوله تعالى: " وهو يدرك الأبصار " أي لا يخفى عليه شئ إلا يراه ويعلمه. إنما خص الأبصار، لتجنيس الكلام. وقال الزجاج: وفي هذا الكلام دليل على أن الخلق لا يدركون