تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٧٥
أي من يخب. وقال ابن الأعرابي: يقال غوى الرجل يغوي (1) غيا إذا فسد عليه أمره، أو فسد هو في نفسه. وهو أحد معاني قول تعالى: " وعصى آدم ربه فغوى (2) " أي فسد عيشه في الجنة. ويقال: غوي الفصيل إذا لم يدر لبن أمه.
الثانية - مذهب أهل السنة أي أن الله تعالى أضله وخلق فيه الكفر، ولذلك نسب الإغواء في هذا إلى الله تعالى وهو الحقيقة، فلا شئ في الوجود إلا وهو مخلوق له، صادر عن إرادته تعالى. وخالف الإمامية والقدرية وغيرهما شيخهم إبليس الذي طاوعوه في كل ما زينه لهم، ولم يطاوعوه في هذه المسألة ويقولون: أخطأ إبليس، وهو أهل للخطأ حيث نسب الغواية إلى ربه، تعالى الله عن ذلك. فيقال لهم: وإبليس وإن كان أهلا للخطأ فما تصنعون في نبي مكرم معصوم، وهو ونوح عليه السلام حيث قال لقومه: " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون (3) " وقد روي أن طاوسا جاءه رجل في المسجد الحرام، وكان متهما بالقدر، وكان من الفقهاء الكبار، فجلس إليه فقال له طاوس: تقوم أو تقام؟ فقيل لطاوس: تقول هذا لرجل فقيه! فقال: إبليس أفقه منه، يقول إبليس: رب بما أغويتني. ويقول هذا: أنا أغوي نفسي.
الثالثة - قوله تعالى: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) أي بالصد عنه، وتزيين الباطل حتى يهلكوا كما هلك، أو يضلوا كما ضل، أو يخيبوا كما خيب، حسب ما تقدم من المعاني الثلاثة ف‍ " أغويتني ". والصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى الجنة. و " صراطك " منصوب على حذف " على " أو " في " من قوله: " صراطك المستقيم "، كما حكى سيبويه " ضرب زيد الظهر والبطن ". وأنشد:
لدن بهز الكف يعسل متنه * فيه كما عسل الطريق الثعلب (4)

(1) من ج.
(2) راجع ج 11 ص 255.
(3) راجع ج 9 ص 28.
(4) البيت لساعدة بن جؤية. يريد في الطريق. وصف في البيت رمحا لين الهز فشبه اضطرابه في نفسه أو في حال هزه بعسلان الثعلب في سيره. والعسل العسلان (بالتحريك): سير سريع في اضطراب. واللدن: الناعم اللين. (عن شرح الشواهد).
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»