ومن أحسن ما قيل في تأويل (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) أي لأصدنهم (1) عن الحق، وأرغبنهم في الدنيا، وأشككهم في الآخرة. وهذا غاية في الضلالة. كما قال: " ولأضلنهم (2) " حسب ما تقدم. وروى سفيان عن منصور عن الحكم بن عتيبة: " من بين أيديهم " من دنياهم. " ومن خلفهم " من آخرتهم. " وعن أيمانهم " يعني حسناتهم. " وعن شمائلهم " يعني سيئاتهم. قال النحاس: وهذا قول حسن وشرحه: أن معنى " ثم لآتينهم من بين أيديهم " من دنياهم، حتى يكذبوا بما فيها (3) من الآيات وأخبار الأمم السالفة " ومن خلفهم " من آخرتهم حتى يكذبوا بها. " وعن أيمانهم " من حسناتهم وأمور دينهم. ويدل على هذا قوله: " إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ".
" وعن شمائلهم " يعني سيئاتهم، أي يتبعون الشهوات، لأنه يزينها لهم. (ولا تجد أكثرهم شاكرين) أي موحدين طائعين مظهرين الشكر.
قوله تعالى: قال اخرج منها مذؤما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين قوله تعالى: (قال اخرج منها) أي من الجنة. (مذءوما مدحورا) " مذءوما " أي مذموما. والذأم: العيب، بتخفيف (4) الميم. قال ابن زيد: مذءوما ومذموما سواء، يقال: ذأمته وذممته وذمته بمعنى واحد. وقرأ الأعمش " مذوما ". والمعنى واحد، إلا أنه خفف الهمزة. وقال مجاهد: المذءوم المنفي. والمعنيان متقاربان. والمدحور: المبعد المطرود، عن مجاهد وغيره. وأصله الدفع. (لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين) اللام لام القسم، والجواب " لأملأن جهنم ". وقيل: " لمن تبعك " لام توكيد.
" لأملأن " لام قسم. والدليل على هذا أنه يجوز في غير القراءة حذف اللام الأولى، ولا يجوز