تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٨٦
فيه مسألتان: الأولى - قوله تعالى: (لا يفتننكم) أي لا يصرفنكم الشيطان عن الدين، كما فتن أبويكم بالإخراج من الجنة. " أب " للمذكر، و " أبة " للمؤنث. فعلى هذا قيل: أبوان (ينزع عنهما لباسهما) في موضع نصب على الحال. ويكون مستأنفا فيوقف على " من الجنة ". " ليريهما " نصب بلام كي. (إنه يراكم هو وقبيله) الأصل يرءاكم ثم خففت الهمزة. وقبيله عطف على المضمر وهو توكيد ليحسن العطف كقوله:
(أسكن أنت وزوجك الجنة) وهذا يدل على أنه يقبح رأيتك وعمرو، وأن المضمر كالمظهر وفي هذا أيضا دليل على وجوب ستر العورة، لقوله: (ينزع عنهما لباسهما).
قال الآخرون: إنما فيه التحذير من زوال النعمة، كما نزل بآدم. هذا أن لو ثبت أن شرع آدم يلزمنا، والأمر بخلاف ذلك.
الثانية - قوله تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله) " قبيله " جنوده. قال مجاهد:
يعني الجن والشياطين. ابن زيد: " قبيله " نسله. وقيل: جيله. من حيث لا ترونهم قال بعض العلماء: في هذا دليل على أن الجن لا يرون، لقوله " من حيث لا ترونهم " قيل: جائز أن يروا، لأن الله تعالى إذا أراد أن يريهم كشف أجسامهم حتى ترى.
قال النحاس: " من حيث لا ترونهم " يدل على أن الجن لا يرون إلا في وقت نبي، ليكون ذلك دلالة على نبوته، لأن الله جل وعز خلقهم خلقا لا يرون فيه، وإنما يرون إذا نقلوا عن صورهم. وذلك من المعجزات التي لا تكون إلا في وقت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. قال القشيري: أجرى الله العادة بأن بني آدم لا يرون الشياطين اليوم.
وفي الخبر (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم). وقال تعالى: " الذي يوسوس في صدور الناس (1) ". وقال عليه السلام: (إن للملك لمة وللشيطان لمة - أي بالقلب - فأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق وأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق). وقد تقدم

(1) راجع ج 20 ص 263.
(١٨٦)
مفاتيح البحث: الوجوب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»