تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٧٤
أنظره إلى النفخة الأولى حيث يموت الخلق كلهم. وكان طلب الإنظار إلى النفخة الثانية حيث يقوم الناس لرب العالمين، فأبى الله ذلك عليه. وقال: " إلى يوم يبعثون " ولم يتقدم من يبعث، لأن القصة في آدم وذريته، فدلت القرينة على أنهم هم المبعوثون.
قوله تعالى: قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمنهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17) فيه ثلاث مسائل: الأولى - قوله تعالى: (فبما أغويتني) الإغواء إيقاع الغي في القلب، أي فبما أوقعت في قلبي من الغي والعناد والاستكبار. وهذا لأن كفر إبليس ليس كفر جهل، بل هو كفر عناد واستكبار. وقد تقدم في البقرة (1). قيل: معنى الكلام القسم، أي فبإغوائك إياي لأقعدن لهم على صراطك، أو في صراطك، فحذف. دليل على هذا القول قوله في (ص):
" فبعزتك لأغوينهم أجمعين (2) " كأن إبليس أعظم قدر إغواء الله إياه لما فيه من التسليط على العباد، فأقسم به إعظاما لقدره عنده. وقيل: الباء بمعنى اللام، كأنه قال: فلإغوائك إياي. وقيل: هي بمعنى مع، والمعنى فمع إغوائك إياي. وقيل: هو استفهام، كأنه سأل بأي شئ أغواه؟. وكان ينبغي على هذا أن يكون: فبم أغويتني؟. وقيل: المعنى فبما أهلكتني بلعنك إياي. والإغواء الإهلاك، قال الله تعالى: " فسوف يلقون غيا (3) " أي هلاكا. وقيل:
فبما أضللتني. والإغواء: الإضلال والإبعاد، قال ابن عباس. وقيل: خيبتني من رحمتك، ومنه قول الشاعر (4):
* ومن يغو لا يعدم على الغي لائما *

(1) راجع ج 1 ص 295.
(2) راجع ج 15 ص 228.
(3) راجع ج 11 ص 125.
(4) هذا عجز بيت للرقش، وصدره كما في اللسان مادة غوى: * فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره *
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»