تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٧٠
فيه أربع مسائل: الأولى - قوله تعالى: (ما منعك) " ما " في موضع رفع بالابتداء، أي أي شئ منعك. وهذا سؤال توبيخ. ألا تسجد في موضع نصب، أي من أن تسجد.
و " لا " زائدة. وفي ص " ما منعك أن تسجد (1) " وقال الشاعر:
أبي جوده لا البخل فاستعجلت به * نعم من فتى لا يمنع الجود نائله أراد أبي جوده البخل، فزاد " لا ". وقيل: ليست بزائدة، فان المنع فيه طرف من القول والدعاء، فكأنه قال: من قال لك ألا تسجد؟ أو من دعاك إلى ألا تسجد؟ كما تقول:
قد قلت لك ألا تفعل كذا. وقيل: في الكلام حذف، والتقدير: ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى ألا تسجد. قال العلماء: الذي أحوجه إلى ترك السجود هو الكبر والحسد، وكان أضمر ذلك في نفسه إذا أمر بذلك. وكان أمره من قبل خلق آدم، يقول الله تعالى:
" إني خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (1) ".
فكأنه دخله أمر عظيم من قوله " فقعوا له ساجدين ". فإن في الوقوع توضيع الواقع وتشريفا لمن وقع له، فأضمر في نفسه ألا يسجد إذا أمره في ذلك الوقت. فلما نفخ فيه الروح وقعت الملائكة سجدا، وبقي هو قائما بين أظهرهم، فأظهر بقيامه وترك السجود ما في ضميره. فقال الله تعالى: " ما منعك ألا تسجد " أي ما منعك من الانقياد لأمري، فأخرج سر ضميره فقال: " أنا خير منه ".
الثانية - قوله تعالى: (إذا أمرتك) يدل علما يقوله الفقهاء من أن الأمر يقتضي الوجوب بمطلقه من غير قرينة، لأن الذم علق على ترك الأمر المطلق الذي هو قوله عز وجل للملائكة: " اسجدوا لآدم " وهذا بين.
الثالثة - قوله تعالى: (قال أنا خير منه) أي منعني من السجود فضلي عليه، فهذا من إبليس جواب على المعنى. كما تقول: لمن هذه الدار؟ فيقول المخاطب: مالكها

(1) راجع ج 15 ص 228 وص 227.
(١٧٠)
مفاتيح البحث: السجود (10)، الجود (1)، المنع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»