تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٨٠
ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (23) قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتع إلى حين (24) قوله تعالى: (فدلاهما بغرور) أوقعهما في الهلاك. قال ابن عباس: غرهما باليمين. وكان يظن آدم أنه لا يحلف أحد بالله كاذبا، فغررهما بوسوسته وقسمه لهما. وقال قتادة: حلف بالله لهما حتى خدعهما. وقد يخدع المؤمن بالله. كان بعض العلماء يقول:
من خادعنا بالله خدعنا. وفي الحديث عنه صلى: (المؤمن غر (1) كريم والفاجر خب لئيم). وأنشد نفطويه:
إن الكريم إذا تشاء خدعته * وترى اللئيم مجربا لا يخدع " فدلاهما " يقال: أدلى دلوه: أرسلها. ودلاها: أخرجها. وقيل: " دلاهما " أي دللهما، من الدالة وهي الجرأة. أي جرأهما على المعصية فخرجا من الجنة.
قوله تعالى: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليها من ورق الجنة) فيه ثلاث مسائل: الأولى - قوله تعالى: " فلما ذاقا الشجرة " أي أكلا منها. وقد مضى في " البقرة " الخلاف في هذه الشجرة (2)، وكيف أكل آدم منها. " بدت لهما سوآتهما " أكلت حواء أولا فلم يصبها شئ، فلما أكل آدم حلت العقوبة، لأن النهي ورد عليهما كما تقدم في " البقرة (2) ". قال ابن عباس: تقلص النور الذي كان لباسهما فصار أظفارا في الأيدي والأرجل.
الثانية - " وطفقا " ويجوز إسكان (3) الفاء. وحكى الأخفش طفق يطفق، مثل ضرب يضرب. يقال: طفق، أي أخذ في الفعل. " يخصفان " وقرأ الحسن بكسر الخاء وشد الصاد. والأصل " يختصفان " فأدغم، وكسر الخاء

(1) الغر: الذي لا يفطن للشر. والخلب (بكسر الخاء وفتحها): ضد الغر، وهو الخدع المفسد. الرواية الثابتة عن أبي هريرة: والمنافق خب لثيم بدل الفاجر.
(2) راجع ج 1 ص 304.
(3) كذا في الأصول. والمتبادر أنه يريد المصدر على لغة ضرب ضربا لأن طفق كفرح.
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»