إلا الأفراد من العرفاء المحققين المخصوصين بدقة النظر دون غيرهم فلا يفيد المدح والتعظيم ولا الاقتصار عليها بقوله مخلصا وإن كانت أشرف لأنها قد توجد بدونهما بخلاف العكس، فلا يحسن وصفه إلا على هذا الترتيب.
* (وناديناه من جانب الطور الأيمن) * أي: طور وجوده الذي هو نهاية طور القلب في مقام السر الذي هو محل المناجاة، ولهذا قال: * (وقربناه نجيا) * وسمي كليم الله.
وإنما وصفه بالأيمن الذي هو الأشرف والأقوى والأكثر بركة احترازا عن جانبه الأيسر الذي هو الصدر، لأن الوحي إنما يأتي من عالم الروح الذي هو الوادي المقدس.
تفسير سورة مريم من [آية 56 - 60] * (ورفعناه مكانا عليا) * إن كان بمعنى المكانة فهو قربه من الله ورتبته في مقام الولاية من عين الجمع، وإن كان بمعنى المكان فهو الفلك الرابع الذي هو مقر عيسى عليه السلام لما ذكر من كونه مركز روحه في الأصل والمبدأ الأول لفيضانه إذا فاض عن محرك فلك الشمس ومعشوقه * (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن) * سمعوا بالنفس من كل آية ظاهرها، وبالقلب باطنها، وفهموا بالسر حدها، وصعدوا بالروح مطلعها، فشاهدوا المتكلم موصوفا بالصفة التي تجلى بها في الآية ف * (خروا سجدا) * فنوا في ذلك الاسم الذي تجلى به عند ظهوره بتلك الصفة الكاشفة عنها تلك الآية، وبكوا اشتياقا إلى مشاهدته بسائر الصفات المشتمل عليه الرحمن أو الله وهو بكاء القلب إن لم يكن مستلزما لبقاء النفس من خوف البعد، كما قال الشاعر:
* ويبكي إن نأوا شوقا إليهم * ويبكي إن دنوا خوف الفراق * أضاعوا صلاة الحضور لكونهم في مقام النفس، والحضور إنما يكون بالقلب، ولا صلاة إلا به. ولذلك الاحتجاب بصفات النفس عن مقام القلب لزم اتباع الشهوات * (فسوف يلقون غيا) * شرا وضلالا إذ كلما أمعنوا في اتباعها ازداد حجابهم فازداد ضلالهم وارتكبت الذنوب على الذنوب، فازداد تورطهم فيها، كما قال عليه الصلاة والسلام: ' الذنب بعد الذنب عقوبة للذنب الأول '.
* (إلا من تاب) * عن الذنب الأول فرجع إلى مقام القلب * (وآمن) * باليقين * (وعمل صالحا) * باكتساب الفضيلة * (فأولئك يدخلون الجنة) * المطلقة بحسب استحقاقهم ودرجتهم في الإيمان والعمل * (ولا يظلمون) * أي: لا ينقضون مما اقتضاه حالهم ومقامهم * (شيئا) *.