كملوا، فهم مربوبون، مجبورون وفي طي قهره وملكته مقهورون.
* (لقد أحصاهم) * في الأزل بإفادة أعيانهم واستعداداتهم الأزلية من فيضه الأقدس وتعيينها بعلمه * (وعدهم عدا) * فماهياتهم وحقائقهم إنما هي صور معلومات ظهرت في العدم بمحض عالميته وبرزت إلى الوجود بفيض رحمانية، فكيف تماثله وتناسبه.
* (وكلهم آتيه يوم القيامة) * الصغرى منفردا مجردا عن الأسباب والأعوان كما كان في النشأة الأولى ويوم القيامة الوسطى * (فردا) * من العلائق البدنية مجردا عن الصفات النفسانية والقوى الطبيعية. وأما في القيامة الكبرى فكل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
تفسير سورة مريم من [آية 96 - 98] * (إن الذين آمنوا) * الإيمان الحقيقي العلمي أو العيني * (وعملوا الصالحات) * من الأعمال المزكية المصفية المعدة لقبول تجليات الصفات بالتجرد عن ملابس صفاتهم * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * كما قال: ' لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش ها '.
وفي الحقيقة هذا الود أثر ونتيجة العناية الأولى المستفادة من قوله: * (يحبهم ويحبونه) * [المائدة، الآية: 54]، فإذا أحبه قبل الظهور في مكمن الغيب بمحبة الاجتباء ألزمه حبه لله عند البروز وحركه إلى الوفاء بالعهد السابق فتجدد ذلك العهد بالعقد اللاحق الذي هو العهد مع الله بالوفاء بذلك في متابعة الحبيب المطلق كما قال: * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) * [آل عمران، الآية: 31]. وإن صحت المتابعة في الأعمال والأحوال أحبه الله بمحبة الاصطفاء فوق المحبة التي هي ثمرة المحبة الأولى لكون الأولى عينية كامنة ولكونها كمالية بارزة وقعت محبته في قلوب الخلق وظهر له القبول عند أهل الإيمان الفطري. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله عبدا يقول الله تعالى: يا جبريل قد أحببت فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: أن الله تعالى قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يضع له المحبة في الأرض '. وعن قتادة: ما أقبل عبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه. وهذا معنى قوله: * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * والله أعلم.