تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٨
تفسير سورة مريم من [آية 41 - 55] * (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر) * مما سوى الله من الأكوان التي تطلبها وتنسب التأثير إليها * (ولا يغني عنك شيئا) * في الحقيقة لعدم تأثيره. * (قد جاءني من العلم) * أي: التوحيد الذاتي * (سلام عليك) * أي: جرد الله ذاتك عن المواد التي احتجبت بها * (سأستغفر لك ربي) * سأطلب منه ستر ذاتك بنوره ومحو غشاوات صفاتك بصفاته ودناءة هيئات نفسك بأفعاله إن أمكن * (إنه كان مخلصا) * بالكسر، أي: مجردا ذاته وعلمه في السلوك لوجه الله لم يلتفت إلى ما سواه من وجهة حتى صفاته تعالى، بل نفاها عن ذاته، وهو * (ما زاغ البصر وما طغى) * بقوله: * (أرني أنظر إليك) * [الأعراف، الآية: 143]. ومخلصا بالفتح، أي: أخلصه الله عن أنانيته وأفنى البقية منه فخلص من الطغيان المذكور بالتجلي الذاتي التام، واستقام بتمكين الله إياه كما قال: * (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحنك تبت إليك) * [الأعراف، الآية 143] من ذنب ظهور الأنانية * (وكان رسولا نبيا) * مقام الرسالة دون مقام النبوة لكونها مبينة للأحكام كالحلال والحرام، منبهة على الأوضاع كالصلاة والصيام فهي متعلقة ببيان أحكام المكلفين. وأما النبوة فهي عبارة عن الإنباء عن المعاني الغيبية كأحوال المعاد والبعث والنشور والمعارف الإلهية كتعريف الصفات والأسماء وما يليق بالله من التحميدات والتمجيدات والولاية فوقهما جميعا لكونها عبارة عن الفناء في ذات الله من غير اعتبار الخلق فهي اشرف المقامات لكونها تتقدم عليهما لأنها ما لم تحصل أولا لم تمكن النبوة ولا الرسالة لكونها مقومة إياهما ولهذا قدم كونه مخلصا في القرآن بالفتح، وأخرت النبوة عن الرسالة لكونها أشرف وأدل على المدح والتعظيم منها ولم يؤخر الولاية عنهما باعتبار الشرف لأنها وإن كانت اشرف لكنها باطنة لا يعرف شرفها وفضلها
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»