الله بالسامري ليتميز المستعد القابل للكمال بالتجريد من القاصر الاستعداد المنغمس في المواد الذي لا يدرك إلا المحسوس ولا يتنبه للمجرد المعقول. ولهذا قالوا: * (وما أخلفنا موعدك بملكنا) * أي: بأن ملكنا أمرنا وخلينا ورأينا، فإنهم عبيد بالطبع لا رأي لهم ولا ملكة وليسوا مختارين بل مطبوعون مسوسون مقودون بدنيون لا طريق لهم إلا التقليد والعمل، لا التحقيق والعلم. وإنما استعبدهم بالطلسم المفرع من الحلي لرسوخ محبة الذهب في طباعهم لكون نفوسهم سفلية منجذبة إلى الطبيعة الذهبية، وتجلي تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج القوى السماوية بالقوى الأرضية ولذلك قال: * (بصرت بما لم يبصروا به) * من العلم الطبيعي والرياضي اللذين يبتنى عليهما علم الطلسمات والسيميات.
* (فقبضت قبضة من أثر الرسول) * وهي على ما قيل: تراب موطئ حافر الحيزوم الذي هو فرس الحياة مركب جبرائيل، أي: مما اتصل به اثر النفس الحيوانية الكلية السماوية المسخرة للعقل الفعال، المتأثرة منه، الحاملة لصفاته التي هي بمثابة مركبة لاستعلائه عليها ووصول تأثيره إلى الطبائع العنصرية والأجرام السفلية بواسطتها من الأوضاع التي تفيض بسببها الآثار على المواد، فتنفعل منها بحسب الاستعداد وتقبل الأحوال الغريبة التي هي بمثابة تراب موطئ مركبه * (فنبذتها) * فطرحتها على الجرم المذاب عند الإفراغ في صورة العجل وذلك من تسويل النفس الشيطانية الشريرة.
* (قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) *.
وقوله: * (فاذهب) * صادر عن غضبه عليه السلام وطرده إياه، وإنما يجب حلول العذاب من غضب الأنبياء والأولياء لأنهم مظاهر صفات الله تعالى، فكل من غضبوا عليه وقع في قهره تعالى وشقى في الدنيا والآخرة، وعذب بعذاب الأبد، وذاق وبال العمل، وكانت صورة عذابه في التحرز عن المماسة نتيجة بعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل. وأثر لعن موسى عليه السلام إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره. وعلى التطبيق:
إن القلب إذا سبق له كشف وجذبه الاجتهاد والسلوك وحصل عنده الكمال العلمي الكشفي دون العلمي الكسبي، يكون في معرض عتاب الحق عند التعجل إلى الشهود والحضور، ذاهلا عن أمر الشريعة والمجاهدة، ويجب أن يرد إلى العمل والرياضة لسياسة القوى واكتساب مقام الاستقامة، إذ لا يقوى هارون العقل الذي هو خليفته على قومه القوى الروحانية والجسمانية على تدبيرهم وتقويمهم وتسديدهم بدون الرياضة والمجاهدة والمواظبة على الطاعة والمعاملة، فينبعث سامري القوى النفسانية من الحواس ويوقد عليها نار حب الشهوات، ويطرح عليها شيئا من أمداد الطالع بحسب