تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٣٠
وذلك مقام الاستقامة إلى الله والقيام بحقائق العبودية لله، ولا تتجلى ناصية التوحيد ولا يحصل مقام التجرد والتفريد إلا به، ولذلك عقبه بقوله:
* (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو) * إذ يكون السالك قبل ذلك مصليا إلى قبلتين، مترددا في العبادة بين جهتين، متخذ الإلهين * (وسع كل شيء علما) * أي:
يتحقق هناك التوحيد بالفعل، وتظهر إحاطة علمه بكل شيء وحدوده وغاياته فتقف كل قوة بنور الحق وقدرته على حدها في عبادته وطاعته عائذة به عن حولها وقوتها، عابدة له بحسب وسعها وطاقتها، شاهدة إياه، مقرة بربوبيته بقدر ما أعطاها من معرفته. مثل ذلك القصص * (نقص عليك من أنباء ما قد سبق) * من أحوال السالكين الذين سبقوا، ومقاماتهم لتثبيت فؤادك وتمكينك في مقام الاستقامة كما أمرت * (وقد آتيناك من لدنك ذكرا) * أي: ذكرا ما أعظمه وهو: ذكر الذات الذي يشمل مراتب التوحيد.
* (من أعرض عنه) * بالتوجه إلى جانب الرجس وحيز الطبع والنفس * (فإنه يحمل يوم القيامة) * الصغرى وزر الهيئات المثقلة الجرمانية، وآثام تعلقات المواد الهيولانية.
* (يوم ينفخ) * الحياة * (في الصور) * الجسمانية، برد الأرواح إلى الأجساد * (ونحشر المجرمين) * الملازمين للأجرام * (زرقا) * عميا، بيض سواد العيون، أو شوها في غاية قبح المناظر، يحسن عندها القردة والخنازير، يسرون الكلام لشدة الخوف أو عدم القدرة على النطق، ويستقصرون مدة اللبث في الحياة الدنيوية لسرعة انقضائها وكل من كان أرجح عقلا منهم كان أشد استقصارا إياها.
تفسير سورة طه من [آية 105 - 110] * (ويسألونك عن الجبال) * أي: وجودات الأبدان * (فقل ينسفها ربي) * برياح الحوادث رميما ورفاتا ثم هباء منثورا، فيسويها بالأرض لا بقية منها ولا أثر. أو حوادث الأشياء فقل: ينسفها ربي برياح النفحات الإلهية الناشئة عن معدن الأحدية * (فيذرها) * في القيامة الكبرى * (قاعا صفصفا) * وجودا أحديا صرفا * (لا ترى فيها) * إثنينية ولا غيرية، فتقدح في استوائها.
* (يومئذ) * يوم إذ قامت القيامة الكبرى * (يتبعون الداعي) * الذي هو الحق، لا حراك بهم ولا حياة لهم إلا به * (لا عوج له) * أي: لا انحراف عنه ولا زيغ عن سمته إذ هو آخذ بناصيتهم وهو على صراط مستقيم، فهم يسيرون بسيرة الحق على مقتضى
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»