تفسير سورة طه من [آية 56 - 63] * (أريناه آياتنا) * من الحجج والبينات الدالة على التجرد عن المواد ووجود الأنوار * (فكذب) * لكونها مادة * (وأبي) * القبول لامتناع إدراكها للمجردات وأنكر إزعاجها عن وكرها البدني بقوله: * (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا) * ونسب البرهان إلى السحر لقصورها عن إدراكه وعجزها عن قبوله وأغرى القوى التخيلية والوهمية على المعارضة والمجادلة وقلما أذعنت النفس للبرهان النير والحق البين بدون الرياضة والإماتة، وكلما أورد عليها حرضت الوهم والتخيل على التشكيك والقدح. والموعد هو وقت تركيب الحجة وترتيب المقامات وذلك وقت زينة النفس الناطقة بالمدركات وحشر القوى العقلية والروحانية لاستحضار المعلومات والمخزونات * (ضحى) * إشراق نور شمس العقل الفعال إذ هناك تعرض النفس عن قبولها ويجمع كيدها من أنواع المغالطات والوهميات ويقمعها القلب باليقينيات وإظهار أكاذيبها المفتريات. والتنازع الواقع بين القوى النفسانية هو عدم مسالمتها في طاعة القلب وانجذاب كل منها إلى لذته متمانعة متخالفة.
وإسرارها النجوى استبطان الكل الدواعي المخالفة للقلب مع تخالفها في أنفسها.
ونسبتها إلى السحر إشارة إلى عجزها عن إدراك معانيها وخفاء براهينها عليها. والطريق المثلى، أي: الفضلى عندها هي تحصيل اللذات الحسية والانهماك في الشهوات البدنية. وإلقاؤها أولا إشارة إلى تقدم الوهميات والخياليات في الوجود الإنساني على العقليات واليقينيات عند السلوك وإلا ما احتيج إلى البرهان القاطع والدليل الواضح وإلى أن الواجب على الداعي إلى الحق أولا نقض الباطل ودفع الشبهة بالحجة ليزول الاعتقاد الفاسد ويتمكن استقرار الحق. والحبال والعصي هي المغالطات والسفسطات من الشبهة الجدلية التي تكاد تتمشى وتغلب على القلب لولا تأييد الحق بنور الروح والعقل وهو معنى قوله: * (لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك) * [طه، الآيات: 68 - 69] العاقلة النظرية من البرهان المعتمد عليه يفن مصنوعاتهم المزخرفة وأباطيلهم المموهة، فتضمحل وتتلاشى. إنما صنعوا كيد تزوير ومكر لا حقيقة له لا ما صنعت كما زعموا، فألقي السحرة سجدا فانقادت حينئذ القوى الوهمية والخيالية والتخييلية والحسية عند