تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٣٢
استعداده الأصلي في المرتبة * (لعلهم يتقون) * بالتزكية * (أو يحدث لهم ذكرا) * بالتحلية.
* (فتعالى الله) * تناهى في العلو والعظمة بحيث لا يقدر قدره ولا يغدر أمره في ملكه الذي يعلو كل شيء ويصرفه بمقتضى إرادته وقدرته وفي عدله الذي يوفي كل أحد حقه بموجب حكمته * (ولا تعجل) * عند هيجان الشوق لغاية الذوق بتلقي العلم اللدني عن مكمن الجمع * (من قبل) * أن يحكم بوروده عليك ووصوله إليك، فإن نزول العلم والحكمة مترتب بحسب ترتب مراتب ترقيك في القبول. ولا تفتر عن الطلب والاستفاضة فإنه غير متناه، واطلب الزيادة فيه بزيادة التصفية والترقي والتحلية، إذ الاستزادة إنما تكون بدعاء الحال ولسان الاستعداد، لا بتعجيل الطلب والسؤال قبل إمكان القبول. وكلما علمت شيئا زاد قبولك لما هو أعلى منه وأخفى. وقصة آدم وتأويلها مرت غير مرة * (ألا تجوع فيها ولا تعرى) * إذ في التجرد عن ملابسة المواد في العالم الروحاني لا يمكن تزاحم الأضداد ولا يكون التحليل المؤدي إلى الفساد بل تلتذ النفس بحصول المراد آمنة من الفناء والنفاد.
* (ومن أعرض عن ذكري) * بالتوجه إلى العالم السفلي بالميل النفسي، ضاقت معيشته لغلبة شحه وشدة بخله، فإن المعرض عن جناب الحق ركدت نفسه وانجذبت إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياها، واشتد حرصه وكلبه عليها ونهمه وشغفه بها لقوة محبته إياها للجنسية والاشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية، فيشح بها عن نفسه وغيره، وكلما استكثر منها ازداد حرصه عليها وشحه بها وذلك هو الضنك في المعيشة. ولهذا قال بعض الصوفية: لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وتشوش عليه رزقه. بخلاف الذاكر المتوجه إليه فإنه ذو يقين منه وتوكل عليه في سعة من عيشه ورغد، ينفق ما يجد ويستغني بربه عما يفقد.
تفسير سورة طه من [آية 124 - 130] * (ونحشره يوم القيامة) * الصغرى على عماه من نور الحق كقوله: * (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) * [الإسراء، الآية: 72] وإنكاره لعماه إنما يكون بلسان الاستعداد الأصلي والنور الفطري المنافي لعماه من رسوخ هيئة الحب السفلي والعشق النفسي بالفسق الجرمي ونسيان الآيات البينات والأنوار المشرقات الموجب لإعراضه
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»