أي: دردي الزيت لثقلها وترسبها وسرعة نفوذها في المسام للطافتها وحرارتها اللازمة لطلبها ما يهواها، أو النحاس الذائب في ميلها إلى الجهة السفلية وإيذائها القلب بشدة الداعية ولهج الحرص ولهب نار الشوق مع الحرمان * (يغلي في البطون) * تضطرب وتقلق في البواطن من شدة حر التعب في الطلب فتقلق القلوب وتحرقها بنار الهوى ومنافاة ظلمتها لنوريتها وتسري فيها بالأذى لاستيلاء هيئتها عليها ولطف هواها الذي هو روح النفس ورسوخ محبتها فيها، ولهذا قيل: ذواق السلاطين محرقة الشفتين * (كغلي الحميم) * الساري بحره في المسام للطافته وقوله في البطون كقوله: * (نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة) * [الهمزة، الآيات: 6 - 7].
* (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * إشارة إلى انعكاس أحوالها لانتكاس فطرتها، فإن اللذة والعزة الجسمانية والكرامة النفسانية موجبة للألم والهوان والذلة الروحانية * (إن هذا ما كنتم به تمترون) * لحسبانكم انحصار اللذات والآلام في الحسية واحتجابكم بها عن العقلية.
* (إن المتقين) * الكاملين في التقوى باجتناب البقايا * (في جنات) * عالية من الجنان الثلاث * (وعيون) * من علوم الأحوال والمعارف وغيرها من المنافع الحقيقية * (يلبسون من سندس) * لطائف الأحوال والمواهب لاتصافهم بها كالمحبة والمعرفة والفناء والبقاء * (وإستبرق) * فضائل الأخلاق كالصبر والقناعة والحلم والسخاوة * (متقابلين) * على رتب متساوية في الصف الأول من صفوف الأرواح لا حجاب بينهم لتجرد ذواتهم وبروزهم إلى الله عن صفاتهم * (كذلك وزوجناهم بحور عين) * أي: قرناهم بما فيه قرة أعينهم واستئناس قلوبهم لوصولهم بمحبوبهم وحصولهم على كمال مرادهم.
تفسير سورة الدخان من [آية 55 - 59] * (يدعون فيها بكل فاكهة) * أي: كل ما يتلذذ به من لذائذ الجنان الثلاث * (أمنين) * من الفناء والحرمان عن تلك النعماء * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * أي:
الطبيعة الجسمانية لا الفناء من الأفعال والصفات والذات فإن كل فناء منها وإن كان موتا إراديا لكنه حياة أصفى وألذ وأشهى وأبهج مما قبلها وكل منها في جنة * (ووقاهم عذاب الجحيم) * أي: جحيم الحرمان بوجود البقية فضلا عن الخذلان في جحيم الطبيعة * (فضلا من ربك) * موهبة محضة وعطاء صرفا من ربك بالوجود الحقاني عند تلاشي الآلات النفسانية * (ذلك هو الفوز العظيم) * والله أعلم.