تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٢
* (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) * أي: وقت ظهور آيات القيامة الصغرى أو الكبرى فإن الدخان من أشراطها. فاعلم أن الدخان هو من الأجزاء الأرضية اللطيفة المتصاعدة عن مركزها لتلطفها بالحرارة، فإن فسرنا القيامة بالصغرى فالدخان هو السكرة والغشية والانقباضية العارضة لسماء الروح عند النزع بسبب هيئة التعلق البدني والفترة المرتكبة على وجهها من مباشرة الأمور السفلية والميل إلى اللذات الحسية ولهذا قال عليه السلام في وصفه: ' أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره '. فإن المؤمن لقلة تعلقه بالأمور البدنية وضعف تلك الهيئة المستفادة من مباشرة الأمور السفلية يقل انفعاله منها ويسهل زواله وخصوصا إذا اكتسب ملكة الاتصال بعالم الأنوار. وأما الكافر فلشدة تعلقه وقوة محبته للجسمانيات وركونه إلى السفليات تغشاه تلك الهيئة فتحيره وتشمله حتى عمت مشاعره الظاهرة والباطنة ومخارجه العلوية والسفلية فلا يهتدي إلى طريق لا إلى العالم العلوي ولا إلى العالم السفلي * (هذا عذاب أليم) * ولما كان الغالب عليه التمني والتندم فيتمنى ما كان فيه من الحياة والصحة ويتندم على ما كان عليه من الفسوق والعصيان والفجور والطغيان، قال بلسان الحال: * (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) * أو بلسان المقال على ما ترى عليه حال بعض من وقع في النزع من العصاة من التوبة وموعدة الرجوع إلى الطاعة.
تفسير سورة الدخان من [آية 13 - 16] * (أنى لهم الذكرى) * أي: الاتعاظ والإيمان بمجرد انكشاف العذاب * (وقد جاءهم) * ما هو أبلغ منه من الرسول المبين طريق الحق بالمعجز والبرهان ودعاهم إلى سبيله بالطرق الثلاثة من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن * (ثم) * أعرضوا ونسبوه إلى الجنون والتعليم المتنافيين لفرط احتجابهم وعنادهم * (إنا كاشفو العذاب قليلا) * بتعطيل الحواس والإدركات * (إنكم عائدون) * إليه.
* (يوم نبطش البطشة الكبرى) * أي: وقت تمام الفراغ إلى إدراك العذاب المؤلم بتلك الهيئات وتحقق الخلود * (إنا منتقمون) * معذبون بالحقيقة أو بالرد إلى الصحة والحياة البدنية، إنكم عائدون إلى الكفر لرسوخه فيكم * (يوم نبطش البطشة الكبرى) * بزوال الاستعداد وانطفاء نور الفطرة بالرين الحاصل من ارتكاب الذنوب والاحتجاب الكلي الموجب للعذاب الأبدي كما قال: * (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * [المطففين، الآيات: 14 - 15] ننتقم منهم بالحقيقة بالحرمان الكلي والحجاب الأبدي والعذاب السرمدي. وإن فسرنا القيامة بالكبرى:
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»