وخدمتهم إياهم لا تكون إلا لغرض نفساني وكذا استعباد الموالي لخدمهم فإذا ارتفعت الأغراض وزالت العلل والأسباب كانوا لهم أعداء وأنكروا عبادتهم يقولون: ما خدمتمونا ولكن خدمتم أنفسكم، كما قيل في تفسير قوله تعالى: * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو) * [الزخرف، الآية: 67].
تفسير سورة الأحقاف من [آية 13 - 15] * (إن الذين قالوا ربنا الله) * أي: تجردوا عن العلائق ورفضوا العوائق وانقطعوا إلى الله عن كل ما سواه ورحموا البصر عن طغواه فصدقا * (قالوا) * ربنا الله، إذ لو بقيت منهم بقايا ولم يأمنوا التلوينات في عرصة الفناء لم يقولوا صادقين: * (ربنا الله) * * (ثم استقاموا) * بالتحقق به في العمل والتحفظ به في مراعاة آداب الحضرة عن الزلل والخطل، بحيث لم ينبض منهم عرق ولم يتحرك منهم شعرة إلا بالله ولله * (فلا خوف عليهم) * إذ لا حجاب ولا عقاب * (ولا هم يحزنون) * إذ لا مرغوب إلا وهو حاصل لهم فلم يفت منهم شيء ولا يفوت كما قيل: إن في الله عزاء لكل مصيبة ودركا عن كل ما فات.
* (أولئك أصحاب الجنة) * المطلقة الشاملة للجنان كلها * (خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون) * في حال السلوك حتى الوصول * (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) * لما كانت النفس ممنوة بتدبير البدن لتوقف استكمالها عليه مشغولة عن كمالها به في أول النشأة لم تنفتح بصيرتها ولم يصف إدراكها ولم يتبين رشدها إلا وقت بلوغ النكاح كما قال في اليتامى: * (حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * [النساء، الآية: 6] وذلك هو الأشد الصوري. ألا ترى أن الطبيعة من وقت الطفولة إلى هذا الحد لا تتفرغ إلى تحصيل مادة النوع عن إيرادها ما يزيد في الأقطار من الغذاء زائدا على بدل المتحلل من البدن لضعف الأعضاء وشدة الاحتياج إلى النمو والتصلب، فالنفس حينئذ منغمسة في البدن، مستعملة للطبيعة في ذلك العمل، ذاهلة عن كمالها إلى هذا الأجل، فلما قربت الآلات من حد كمالها ووصلت إلى ما يصلح لاستعمالها في تصرفاتها وانتقص الاحتياج إلى ما يزيد في أقطارها تفرغت الطبيعة إلى ذخيرة مادة النوع من الشخص لاستغنائها بكمال الشخص عن مادته فتفرغت النفس إلى تحصيل كمالها، فانفتحت بصيرة عقلها وظهرت أنوار فطرتها واستعدادها وتنبهت عن نومها في مهدها،