تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ١١٨
أم) * أي: أصل * (الكتاب وأخر متشابهات) * تحتمل معنيين فصاعدا ويشتبه فيها الحق والباطل، وذلك أن الحق تعالى له وجه هو الوجه المطلق الباقي بعد فناء الخلق لا يحتمل التكثر والتعدد، وله وجوه متكثرة إضافية متعددة بحسب مرائي المظاهر. وهي ما يظهر بحسب استعداد كل مظهر فيه من ذلك الوجه الواحد، يلتبس فيها الحق بالباطل، فورد التنزيل كذلك لتنصرف المتشابهات إلى وجوه الاستعدادات فيتعلق كل بما يناسبه، ويظهر الابتلاء والامتحان. فأما العارفون المحققون الذين يعرفون الوجه الباقي في أية صورة وأي شكل كان، فيعرفون الوجه الحق من الوجوه التي تحتملها المتشابهات فيردونها إلى المحكمات متمثلين بمثل قول الشاعر:
* وما الوجه إلا واحد غير أنه * إذا أنت أعددت المزايا تعددا * وأما المحجوبون * (الذين في قلوبهم زيغ) * عن الحق * (فيتبعون ما تشابه) * لاحتجابهم بالكثرة عن الوحدة. كما أن المحققين يتبعون المحكم، ويتبعونه المتشابه، فيختارون من الوجوه المحتملة ما يناسب دينهم ومذهبهم * (ابتغاء الفتنة) * أي: طلب الضلال والإضلال الذي هم بسبيله * (وابتغاء تأويله) * بما يناسب حالهم وطريقتهم.
* إذا اعوج سكين فعوج قرابه * فهم كما لا يعرفون الوجه الباقي في الوجوه، لزم أن لا يعرفوا المعنى الحق من المعاني، فيزداد حجابهم ويغلظ ليستحقوا به العذاب * (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) * العالمون، يعلمون بعلمه، أي: إنما يعلمه الله جميعا وتفصيلا * (يقولون آمنا به) * يصدقون علم الله به، فهم يعلمون بالنور الإيماني * (كل من عند ربنا) * لأن الكل عندهم معنى واحد غير مختلف * (وما يذكر) * بذلك العلم الواحد المفصل في التفاصيل المتشابهة المتكثرة إلا الذين صفت عقولهم بنور الهداية وجردت عن قشر الهوى والعادة.
* (ربنا لا تزغ قلوبنا) * عن التوجه إلى جنابك، والسعي في طلب لقائك، والوقوف ببابك، بالافتتان بحب الدنيا وغلبة الهوى، والميل إلى النفس وصفاتها، والوقوف مع حظوظها ولذاتها * (بعد إذ هديتنا) * بنورك إلى صراطك المستقيم، والدين القويم، وبسبحات وجهك إلى جمالك الكريم * (وهب لنا من لدنك رحمة) * رحيمية تمحو صفاتنا بصفاتك وظلماتنا بأنوارك * (إنك أنت الوهاب) * * (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه) * أي: يجمعهم ليوم الجمع الذي هو الوصول إلى مقام الوحدة الجامعة للخلائق أجمعين الأولين والآخرين، فلا يبقى لهم شك في مشهدهم ذلك * (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) * بل هي سبب حجابهم وبعدهم من
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»