تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ١٢١
* (الذين يقولون ربنا إننا آمنا) * بأنوار أفعالك وصفاتك * (فاغفر لنا ذنوبنا) * أي:
ذنوب وجوداتنا بذاتك * (وقنا عذاب النار) * أي: نار الهجران ووجود البقية * (الصابرين) * على غصص المجاهدة والرياضة * (والصادقين) * في المحبة والإرادة * (والقانتين) * في السلوك إليه وفيه * (والمنفقين) * ما عداه من أموالهم وأفعالهم وصفاتهم ونفوسهم وذواتهم * (والمستغفرين) * عن ذنوب تلويناتهم وبقياتهم في أسحار أيام التجليات النورية عند طلوع طوالع الأنوار، وظهور تباشير صبح يوم القيامة الكبرى بالأفق الأعلى، فأجابهم وقت طلوع شمس الذات من مغرب وجودهم، فلم يبق مغربا بقوله * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * طلع الوجه الباقي، فشهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته، إذ لم يبق شاهد ولا مشهود غيره. ثم رجع إلى مقام التفصيل فشهد بنفسه مع غيره على وحدانيته في ذلك المشهد فقال: * (والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط) * أي: مقيما للعدل في تفاصيل مظاهره، وصور كثرتها الذي هو ظل الوحدة في غير الجمع بإعطاء كل ذي حق بحسب استعداده واستحقاقه حقه من جوده وكماله وتجليه فيه على قدر سعة وعائه * (لا إله إلا هو) * في المشهدين * (العزيز) * القاهر الذي يقهر كل شيء باعتبار الجمع فلا يصل إليه أحد * (الحكيم) * الذي يدبر بحكمته كل شيء، فيعطيه ما يليق به باعتبار التفصيل.
* (إن الدين عند الله) * هو هذا التوحيد الذي قرره بنفسه. فإن دينه دين إسلام الوجوه كما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: ' أسلمت وجهي لله ' أي: نفسي وجملتي، وانخلعت عن أنانيتي، ففنيت فيه. وأمر الله تعالى حبيبه عليه صلى الله عليه وسلم فيما بعد بقوله: * (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن) *.
* (إن الذين يكفرون بآيات الله) * أي: المحجوبين عن الدين * (ويقتلون النبيين بغير حق) * لكونهم محجوبين بدينهم لا يقبلون إلا ما هم عليه من التقيد والتقليد، والأنبياء دعوهم إلى التوحيد ومنعوهم عن التقيد فقتلوهم * (ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس) * من أتباعهم، إذ العدل ظل التوحيد، فمن لم يكمل له لا يمكنه
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»