والأشخاص والأحوال كلها، فيعلم المستحق للشفاعة، وغير المستحق لها * (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) * أي: بما اقتضت مشيئته أن يعلمهم، فعلم كل ذي علم شيء من علمه ظهر على ذلك المظهر، كما قالت الملائكة: * (لا علم لنا إلا ما علمتنا) * [البقرة، الآية: 32].
* (وسع كرسيه السماوات والأرض) * أي: علمه، إذ الكرسي مكان العلم الذي هو القلب. كما قال أبو يزيد البسطامي رحمة الله عليه: لو وقع العالم وما فيه ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به لغاية سعته. ولهذا قال الحسن:
كرسيه: عرشه، مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: ' قلب المؤمن من عرش الله '. والكرسي في اللغة: عرش صغير لا يفضل عن مقعد القاعد، شبه القلب به تصويرا وتخييلا لعظمته وسعته. وأما العرش المجيد الأكبر فهو الروح الأول وصورتهما ومثالهما في الشاهد الفلك الأعظم، والثامن المحيط بالسماوات السبع وما فيهن * (ولا يؤده) * أي:
ولا يثقله * (حفظهما) * لأنهما غير موجودين بدونه ليثقله حملهما، بل العالم المعنوي كله باطنه والصوري ظاهره، فلا وجود لهما إلا به وليسا غيره. * (وهو العلي) * الشأن الذي لا يعلوه شيء وهو يعلو كل شيء، ويقهره بالفناء * (العظيم) * الذي لا يتصور كنه عظمته، وكل عظمة تتصور لشيء فهي رشحة من عظمته، وكل عظيم فبنصيب من عظمته وحصة منها عظيمة. فالعظمة مطلقا له دون غيره، بل كلها له، ليس لغيره فيها نصيب. وهي أعظم آية في القرآن لعظم مدلولها.
تفسير سورة البقرة من آية 256 إلى آية 258 * (لا إكراه في الدين) * لأن الدين في الحقيقة هو الهدى المستفاد من النور القلبي، اللازم للفطرة الإنسانية، المستلزم للإيمان اليقيني. كما قال تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) * [الروم، الآية: 30]، والإسلام الذي هو ظاهر الدين مبتن عليه وهو أمر لا مدخل