تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ١٠٩
[تفسير سورة البقرة من آية 261 إلى آية 262] * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) * ذكر سبحانه ثلاث إنفاقات وفاضل بينها في الجزاء، أولها: الإنفاق في سبيل الله وهو إنفاق في عالم الملك عن تجلي الأفعال يعطيه صاحبه ليثيبه الله تعالى، فأثابه سبعمائة أضعاف ما أعطى ثم زاد في الأضعاف إلى ما لا يتناهى بحسب المشيئة لأن يده تعالى أبسط وأطول من يده بما لا يتناهى. * (والله واسع) * كثير العطاء، لا يتقدر بأعطيتنا عطاؤه * (عليم) * بنيات المعطين واعتقاداتهم أنه من فضل الله تعالى، فيثيبهم على حسب ذلك. وثانيها: الإنفاق عن مقام مشاهدة الصفات على ما سيأتي، وهو الإنفاق لطلب رضاء الله كما أن الأولى هو الإنفاق لطلب عطاء الله. وثالثها: الإنفاق بالله، وهو عن مقام شهود الذات * (ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى) * نبه على أن الإنفاق يبطله المن والأذى، لأن الإنفاق إنما يكون محمودا لثلاثة أوجه: كونه موافقا للأمر بالنسبة إلى الله تعالى، وكونه مزيلا لرذيلة البخل بالنسبة إلى نفس المنفق، وكونه نافعا مريحا بالنسبة إلى المستحق. فإذا من صاحبه فقد خالف أمر الله لأنه منهي وظهرت نفسه بالاستطالة والاعتداد بالنعمة والعجب والاحتجاب بفعلها ورؤية النعمة منها لا من الله، وكلها رذائل أردأ من البخل، لازمة له، ولو لم يكن له إلا رؤية نفسه بالفضيلة لكفاه مبطلا. وأما الوجه الثالث الذي هو بالنسبة إلى المستحق، فيبطله الأذى المنافي للراحة والنفع والمن أيضا مبطل له لاقتضائه الترفع وإظهار الاصطناع وإثبات حق عليه.
[تفسير سورة البقرة من آية 263] إلى آية 265 ثم قال: * (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) * إذ القول الجميل، وإن كان بالرد، يفرح قلبه، ويروح روحه، والصدقة إنما تنفع جسده ولا تفرح القلب إلا بالتبعية وتصور النفع، فإذا قارن ما ينفع الجسد ما يؤذي الروح تكدر النفع
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»