تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٦٤
[آية 79] * (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) *، أي: ويل لمن بقيت منه بقايا صفات النفس وهو لا يشعر بها أو يشعر فيحتال أو لا يحتفل بها فيفعل ويقول بنفسه وصفاتها، ويدعي أنه من عند الله ليكتسب به حظا من حظوظ النفس، بل عين ذلك القول والفعل ونسبته إلى الله لاحظ تام لها وذنب لا ذنب أقوى منه. ويمكن أن تؤول الآيات الثلاث الأول على الوجه الثاني المبني على التطبيق فيقال: أفتطمعون، أيتها القوى الروحانية، أن تؤمن هذه القوى النفسانية لأجل هدايتكم منقادة. وقد كان فريق منهم كالوهم والخيال يسمعون كلام الله، أي: يتلقفون المعاني الواردة من عند الله على القلب ثم يحرفونه بالمحاكاة وكثرة الانتقالات وجعلها جزئية، وإعطائها أحكام الجزئيات كما في المنامات والواقعات. من بعد ما عقلوه، أي: أدركوه على حاله وهم يعلمون تحريفها وانتقالاتها إلى اللوازم والأشباه والأضداد.
وإذا لقوكم بالتوجه نحوكم، وتلقن مدركاتكم عند حضوركم، ومشايعتها إياكم، وعروجها، أذعنوا وصدقوا. * (وإذا خلا بعضهم إلى بعض) * في أوقات الغفلات، منع بعضهم بعضا عن إلقاء ما فتح الله عليهم من مدركاتهم المحسوسة والمخيلة والموهومة ليركبوا منها الحجج ويحاجوهم بها في الحضرة الروحانية عند ربهم.
* (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون) * عنكم من مدركاتهم * (وما يعلنون) * فيطلعكم عليها وينصركم عليهم * (ومنهم) * أي: القوى الطبيعية الغير المدركة والحواس الظاهرة * (لا يعلمون) * كتاب المعاني المعقولة * (إلا أماني) * لذاتهم وشهواتهم وما يتيقنون خاتمة عاقبتها ومضرتها في طريق الكمال، بل يظنون نفعها وخيريتها.
[آية 80 - 82] * (وقالوا لن تمسنا النار) * إلى آخر الآية. اعتقدوا أن زمان العقاب يساوي زمان مباشرة الذنب، ولم يعلموا أن الذنب إذا كان معتقدا فاسدا، ثابتا في النفس، وهيئة راسخة فيها، وصار ملكة كصورة ذاتية لها، كان سببا لتخليد العذاب. وهو معنى قوله تعالى: * (وأحاطت به خطيئته) * أي: استولت عليه واستوعبت كالسواد المستوعب
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»