تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٦٣
شرب منها يحيا أبدا كقلوب أهل الله السابقين وهو المشار إليه بقوله تعالى: * (وإن من الحجارة لما ينفجر منه الأنهار) * وقلب ارتوى من العلم، فحفظ ووعى، فانتفع به الناس، كقلوب العلماء الراسخين وهو المشار إليه بقوله: * (وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء) * وقلب خشعو وانقاد واستسلم وأطاع، كقلوب العباد والزهاد من المسلمين، وهو المشار إليه بقوله: * (وإن منها لما يهبط من خشية الله) * وأدنى أحوال حاله هو الهبوط من خشية الله، أي: الانقياد لما أمر الله من الميل إلى المركز بالسلاسة. وبقي قلب لم يتأثر قط بالعلم ولم يتلين بالخوف آبيا للهدى، متكبرا، ممتلئا بالهوى، متمردا، فلا يوجد من الجواهر ما يشبهه لقبول جميعها ما أمر الله به، فكيف بالحديد الذي يلين لما يراد منه؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضا فكانت طائفة منها طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها طائفة أخاذات أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في الدين فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)). فبين صلى الله عليه وسلم القلوب الثلاثة الأخيرة، والأول من الأربعة هو القلب المحمدي. * (وما الله بغافل عما تعملون) * تهديد للقاسية قلوبهم، أي: الله مطلع فيحجبهم عن نوره ويتركهم في ظلماتهم، والآيات التي تتلوها ظاهرة.
وتأويل الأولى:
[آية 75 - 78] * (أفتطمعون) * أن يوحدوا بتوحيد الصفات لأجل هدايتكم * (وقد كان فريق منهم) * يقبلون صفات الله ثم يحرفونها بنسبتها إلى أنفسهم * (من بعد ما عقلوه) * أي:
علموا توحيد الصفات وما وجدوه بالعيان * (وهم يعلمون) * أن تلك الصفات لله، لكن نفوسهم ينتحلونها بالإشراك حالة ذهول العقل عن استيلائها على القلب لعدم كون توحيدهم ملكة وحالا، بل علما.
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»