الفائضة عليها من عالم الروح وتلقي المعارف والحكم، وإيفاؤهم بالعهد، وإبرازهم ما ركز فيها بحسب الاستعداد الأول من الأدلة التوحيدية والمعاني الكلية الكامنة فيها بالتصفية ومزاولة ما يختص بها من الأفعال، وإيفاؤه بعهدهم إفاضة النور الكمالي عليها عند قيامها بحق النور الاستعدادي بالتصفية واستعمال ما عندهم من المعاني.
وإن كنتم رهبتم شيئا فارهبوا احتجاب أنواري بزوال استعدادكم، وآمنوا أي: واقبلوا ما أفيض عليكم من الإشراقات النورية والسواغ الغيبية مصدقا لما في استعدادكم من النور الفطري، ولا تكونوا في أول رتبة المحتجبين عن قبولها بالتوجه إلى الجهة السفلية ولا تستبدلوا بها لذات النفس ومقاصدها، ولا تخلطوا حق المعارف الروحية والأنوار القدسية بباطل المطالب الحسية والصفات النفسية، وتكتموا تلك الأنوار والمعارف بظهور هذه عليكم. وأقيموا وأديموا التوجه إلى حضرة الروح وامتثال أمره، وآتوا زكاة معلوماتكم التي هي أموالكم بتصفحها وتركيبها لتحرزوا بها ثواب النتائج واللوازم. وأنفقوها على فقرائكم الذين بحضرتكم من القوى البدنية الطبيعية ليعيشوا بها، ويكتسبوا بها الأخلاق الفاضلة والملكات الجميلة، وعلموها أبناء جنسكم ليكملوا بها، واركعوا واخضعوا لقبول الأوامر العقلية والأنوار الروحية والأعمال القلبية. أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟ أتسوسون ما تحتكم من القوى بالعبادات الجميلة والآداب الحسنة والترقي إلى مقامكم والتأدب بآدابكم وتنسون أنفسكم في التأدب بين يدي الله بآداب الروحانيين والتمرن في المراقبة، والتنور بأنوار الروح في مقام المشاهدة والترقي إلى مقامه عند الفناء في الوحدة، وأنتم تتلون كتاب المعقولات النازلة من رب الروح بواسطة ملك العقل إلى نبي القلب. أفلا تعقلون بالعقل المجرد عن شوب الهوى والوهم؟ واستعينوا بالصبر على ما يظهر عليكم ويرد من سلطنة أنوار سلطان الروح وأحكامه وقهر تجليات العظموت والحضور مع الحق، وأن هذه الاستعانة لشاقة إلا على الخاشعين، المرتاضين، المذعنين لانقياد أمر القلب والروح، المتيقنين بأنهم بحضرته وفي لقائه، وأنهم يرجعون إليه في قبول أنواره. وتفضيلهم على العالمين هو شرفهم على جميع ما في الإنسان من القوى.
[آية 51 - 54] * (وإذ واعدنا موسى) * بعد فراغه من مقاومة آل فرعون وإهلاكهم * (أربعين ليلة) *