لغلبة نورية إدراكها بمجاورة القلب، إذ الصفرة حمرة عليها البياض * (فاقع لونها) * لصفاء استعدادها وشعشعان شعاع نور القلب عليها * (تسر الناظرين) * لقوة نور استعدادها وتشعشعها والناظرون هم الكاملون المطلعون على الاستعدادات لوجوب محبتهم للمستعدين المستبصرين وذوقهم بحضورهم. * (إن البقر تشابه علينا) * لكثرة البقر الموصوف بهذه الصفة، أي: كثرة أصناف المستعدين وما كل مستعد طالبا. كما قيل: ما كل طبع قابلا ولا كل قابل طالبا، ولا كل طالب صابرا، ولا كل صابر واجدا. * (وإنا إن شاء الله لمهتدون) * إلى ذبح هذه البقرة. وقولهم: إن شاء الله، دليل على استعدادهم لعلمهم بأن الأمور متعلقة بمشيئة الله، ميسرة بتوفيقه. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو لم يستثنوا لما ظفروا بها أبدالدهر)).
* (لا ذلول) * غير مذللة، منقادة لأمر الشرع * (تثير) * أرض الاستعداد بالأعمال الصالحة والعبادات * (ولا تسقي) * حرث المعارف والحكم التي فيها بالقوة باستقاء ماء العلوم الكسبية والأفكار الثاقبة، لعدم احتياج مثل هذه البقرة إلى الذبح * (مسلمة) * سلمها أهلها لترعى، غير مسوسة برسوم وعادات وشرائع وآداب * (لا شية فيها) * أي:
لم يرسخ فيها اعتقاد ومذهب لعدم صلاحيتها للذبح.
* (جئت بالحق) * الثابت في بيان المستعد المشتاق، الطالب للكمال * (فذبحوها وما كادوا يفعلون) * لكثرة سؤالاتهم ومبالغاتهم وتعمقهم في البحث والتفتيش عن حالها، وفضول كلامهم في بيانها التي تدل على عدم انقياد النفس بالسرعة، وإبائها للرياضة، وغلبة الفضول عليها، وتعذر مطلوبهم، وتأخرهم عنه بسبب ذلك. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم))، أي: لو لم يكن منهم كثرة فضول البحث والسؤال لما عز عليهم مطلوبهم لقوة قبولهم وإرادتهم، فكان سلس القياد، سهل الانقياد، ونهى صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال، وقال: ((إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال)). قال الله تعالى: * (لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * [المائدة، الآية: 101].
وقيل في قصتها: إن شيخا من بني إسرائيل نتجت له عجلة على هذه الصفة، وكان له ابن طفل، فجاء بها إلى عجوز وقال: إنها لهذا الطفل، سلميهما في مرعاها عساها تنفعه إذا بلغ. فلما وقعت هذه الواقعة وسعى بنو إسرائيل في طلب البقرة أربعين سنة سمعت العجوز بها، فأخبرت ابنها بما فعل أبوه وقد ترعرع، فجاء إلى المرعى فوجدها، فأتى بها فساوموه في شرائها ومنعته العجوز عن بيعها حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا. فالشيخ هو الروح، والعجوز الطبيعة الجمسانية، وابنه الطفل هو