العقل الذي هو نتيجة الروح، والشاب المقتول هو القلب.
سلم شيخ الروح عجل النفس إلى عجوز الطبع ليرعى في مرعى اللذات الطبيعية حتى يكبر عسى طفل العقل أن ينتفع بها وقت البلوغ في انتزاع المعقولات من محسوساتها واستعمال الفكر الذي هو من قواها في اكتساب العلوم العقلية. وهو الذي جاء بها من المرعى وسعي بني إسرائيل أربعين سنة إشارة إلى السير إلى الله بالأعمال والآداب والتخلق بالأخلاق، إلى أوان البلوغ الحقيقي، وتجرد القلب، كما قال الله تعالى: * (بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) * [الأخفاق الآية: 15]. ومساومتهم إياها في شرائها إشارة إلى طلب القوى الروحانية المنورة بنور الهداية الشرعية والإرادة، وانتزاعها من العقل المشوب بالوهم، واستعباد العقل إياها بالمقعولات القياسية، وتسخيرها بالفكريات، وحجبها عن نور الهداية الشرعية بالقياسات العقلية، وعدم تحليتها بالشرعيات. وهذا هو الموجب لتشددهم في السؤال وتأخرهم وتباطئهم في الامتثال.
ومنع العجوز إياه هو ممانعة الطبع في الانقياد للشرع، وموافقة العقل إياه في ذلك لرعاية العقل جانب الطبع في مصالح المعاش وترفيهه إياه، وترخيصه والتوسيع عليه أكثر من الشرع. وبيعها بملء مسكها ذهبا إشارة إلى تحليها بعد الذبح والسلخ بالعلوم النافعة الشرعية والعقلية الخلقية والأحكام الفرعية الدينية، واشتمال صورتها عليها التي توافق العقل والطبع وتنفعهما باستعمالهما إياها في تحصيل مصالح المعاش والمباغي الطبيعية والمطالب العقلية العملية بإذن الشرع من الوجه الحلال والتصرف المباح وأنواع الرخص في جميع التمتعات بعد حصول الكمال وتمام السلوك.
[آية 72] * (إذا قتلتم نفسا فادراءتم فيها) * إشارة إلى بيان سبب الأمر بذبح البقرة، وهو أنه كان شيخ موسر من بني إسرائيل وله ابن شاب فقتله ابنا عمه، أو بنو عمه، طمعا في ميراث أبيه وطرحوه بين أسباط بني إسرائيل على الطريق، فتدافعوا في قتله، فورد الأمر بذبح البقرة وضربه ببعضها ليحيا فيخبر بالقاتل. فالشاب هو القلب الذي هو ابن الروح الموسر بأموال المعارف والحكم، وقتله منعه عن حياته الحقيقية وإزالة العشق الحقيقي الذي هو حياته عنه باستيلاء قوتي الشهوة والغضب اللذين هما ابنا عمه النفس الحيوانية أو جميع قواها عليه، إذ الروح والنفس أخوان باعتبار فيضانهما وولادتهما من أب هو العقل الفعال المسمى ((روح القدس)) على قياس ما ورد في الحديث:
((أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من بقية طين آدم)). فإن النفس النباتية الكاملة التي إذا كانت عمة النفس الإنسانية، كانت النفس الحيوانية عمتها. قتلاه طمعا في استعمال