تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٤٠٠
وأخلاقكم وأحوالكم، فلا تجدوا شيئا من سيئات أعمالكم إلا وتكفرونه بحسنة مما يقابله من جنسه ولا رذيلة من أخلاقكم إلا وتكفرونها بضدها من الفضيلة، ولا ذنبا من ذنوب أحوالكم إلا وتكفرونه بالإنابة إلى جناب الحق * (وكل شيء) * من العلوم والحكم * (فصلناه) * بنور عقولكم عند الكمال ونزول العقل الفرقاني * (تفصيلا) * أي:
علما تفصيليا مستحضرا إجماليا مغفولا عنه كما في العقل القرآني عند البداية.
[تفسير سورة الإسراء من آية 13 إلى آية 17] * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) * أي: جعلنا سعادته وشقاوته وسبب خيره وشره لازما لذاته لزوم الطوق في العنق، كما قال: ' السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه '. * (ونخرج له يوم القيامة) * الصغرى عند الخروج من قبر جسده * (كتابا) * هيكلا مصورا بصور أعماله مقلدا في عنقه * (يلقاه) * للزومه إياه * (منشورا) * لظهور تلك الهيئات فيه بالفعل مفصلة لا مطويا كما كان عند كونها فيه بالقوة، يقال له: * (اقرأ كتابك) * أي: اقرأه قراءة المأمور الممتثل لأمر آمر مطاع يأمره بالقراءة، أو تأمره القوى الملكوتية سواء كان قارئا أو غير قارئ، لأن الأعمال هناك ممثلة بهيئاتها وصورها يعرفها كل أحد لا على سبيل الكتابة بالحروف فلا يعرفها الأمي * (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * لأن نفسه تشاهد ما فعلته لازما إياها نصب عينها مفصلا لا يمكنها الإنكار، فبين لها غيرها * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * لرسوخ هيئة ما فعلته فيها وصيرورتها ملكة لازمة دون الذي فعل غيرها، ولم يعرض لها منه شيء، وإنما يتعذب من يتعذب بالهيئات التي فيه لا من خارج.
* (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * رسول العقل بإلزام الحجة وتمييز الحق والباطل. ألا ترى أن الصبي والسفيه غير مكلفين؟، أو رسول الشرع لظهور ما في الاستعداد من الخير والشر والسعادة والشقاوة بسببه ومقابلته بالإقرار والإنكار، فإن المستعد للكمال يتحرك ما فيه بالقوة عند سماع الدعوة فيشتاق ويطلب متلقيا لها بالإقرار والقبول لما يدعوه إليه لمناسبته إياه وقربه وغير المستعد ينكر ويعاند لمنافاته لما يدعوه إليه ويعده.
* (وإذا أردنا أن نهلك قرية) * الخ، إن لكل شيء من الدنيا زوالا وزواله بحصول استعداد يقتضي ذلك. وكما أن زوال البدن بزوال الاعتدال وحصول انحراف يبعده عن
(٤٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 ... » »»