الاستعدادات متفاوتة فمن كان ضعيف الاستعداد استفزه أي استخفه بصوته يكفيه وسوسة وهمس بل هاجسة ولمة، ومن كان قوي الاستعداد فإن أخلص استعداده عن شوائب الصفات النفسانية أو أخلصه الله تعالى عن شوائب الغيرية فليس له إلى إغوائه سبيل كما قال: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * وإلا فإن كان منغمسا في الشواغل الحسية غارزا رأسه في الأمور الدنيوية شاركه في أمواله وأولاده بأن يحرضه على إشراكهم بالله في المحبة بحبهم كحب الله ويسول له التمتع بهم والتكاثر والتفاخر بوجودهم ويمنيه الأماني الكاذبة ويزين عليه الآمال الفارغة وإن لم ينغمس فإن كان عالما بصيرا بتسويلاته أجلب عليه بخيله ورجله، أي: مكر به بأنواع الحيل وكاده بصنوف الفتن وأفتى له في تحصيل أنواع الحطام والملاذ بأنها من جملة مصالح المعاش وغره بالعلم وحمله على الإعجاب، وأمثال ذلك، حتى يصير ممن أضله الله على علم وإن لم يكن عالما بل عابدا متنسكا أغواه بالوعد والتمنية وغره بالطاعة والتزكية أيسر ما يكون * (وكفى بربك وكيلا) * أي: عبادي الخاصة لا يكلون أمرهم إلا إلى الله وحده لا إلى الشيطان ولا إلى غيره، وهو كافيهم بتدبير الأمور ولا يتوكلون إلا عليه بشهود أفعاله وصفاته.
[تفسير سورة الإسراء من آية 70 إلى آية 74] * (ولقد كرمنا بني آدم) * بالنطق والتمييز والعقل والمعرفة * (وحملناهم في البر والبحر) * أي: يسرنا لهم أسباب المعاش والمعاد بالسير في طلبها فيهما وتحصيلها * (ورزقناهم من الطيبات) * أي: المركبات التي لم ترزق غيرهم من المخلوقات * (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا) * أي: ما عدا الذوات المقدسة من الملأ الأعلى، وأما أفضلية بعض الناس كالأنبياء على الملائكة المقربين فليست من جهة كونهم بني آدم فإنهم من تلك الحيثية لا يتجاوزون مقام العقل بل من جهة السر المودع فيهم المشار إليه بقوله: * (إني أعلم ما لا تعلمون) * [البقرة، الآية: 30] وهو ما أعد لذلك البعض من المعرفة الإلهية التامة بواسطة الجمعية التي فيه، أي: مقام الوحدة، وحينئذ ليس هو بهذا الاعتبار من بني آدم كما قيل:
* وإني وإن كنت ابن آدم صورة * فلي فيه معنى شاهد بأبوتي * بل هو عين المكرم المعروف كما قيل: